سمكة نيسان


مع طلة نيسان يحلو أن نتذكر أن الملح كان مرتبطاً بفكرة الخصوبة، بسبب الملاحظة الظاهرة بأن أسماك المياه المالحة تتكاثر بسرعة وقوة أكبر من تلك التي تحيا في مياه العذبة!، وربما للسبب نفسه كانت بعض القرى الألمانية تنثر الملح على حذاء العريس، ليلة دخلته!.
وفي ذات خصوبة أخرى، ومن أجل حثها على شرب أكبر كمية ماء يتخذ مربو الأبقار حيلة عجيبة لذلك، حيث يزودون مزارعهم بحجارة كبيرة من الملح، فتعمد البقرة على لحسها بلسانها الطويل؛ فتشعر إثر ذلك بالعطش الشديد، فتهجم على الماء وتشرب منه شرب الهيم، الأمر الذي يزيد إدرار الحليب: فهل تنفع أحجار الملح مع بني البشر، لأجل مزيد من أكاذيب لهذا العالم الملفق؟؟!.
ومع أن الكذب ليس دائماً حجر ملح يجبرنا على الامتلاء الوهمي، فهو يتلون أحياناً بألوان أكثر تعداداً من مقتنيات قوس قزح: فهناك الأسود، الخمري، الأحمر، الأبيض، البني. لكن أشد الألوان غموضاً، هو الكذب الرمادي: أو الحقيقة المواربة، فتباً لأنصاف الحقائق، وأنصاف الأكاذيب، حتى لو قالوا: الكذب ملح الرجال!. 
وإذا كنا نستطيع أن نحتال على بيضة غارقة بالماء، فنجعلها تطفو على السطح، بإضافة قليل من الملح إلى الماء، لكننا لن نقدر مهما بلغنا من الحنكة والحيلة والخبرة أن نجعل الزائف يطفو حقيقياً، ولو جئنا بملء الأرض ملحاً، وكذلك إذا كنا نستطيع أن ننزع الماء من شرائح البطاطا، قبل قليها بالزيت، برشها بالملح؛ فإننا سنفشل بانتزاع قطرة حقيقة واحدة، مهما رششنا من أكاذيب حلوة، فوق واقعنا المقشر.
الفرنسيون يسمون كذبة نيسان بالسمكة الصغيرة!، حيث من السهولة بمكان، أن تقع هذه السمكة المسكينة الغرة في الشبكة، تماماً كتقطع حبال الكذب الواهية والضعيفة: الشبكة والصنارة هما الحقيقة الوحيدة في عالم السمكة المصطادة. فمن يتعلم من سقوط السمكة؟!.
في بهجة نيسان يحلُّ علينا ضيف قصير الإقامة، يأتي الربيع عجولا يانعاً بزهوره ووروده، وكل نباتاته ستعطي ثمراً بعد صيف، إلا شجر الزيزفون: فهو كاذب، يزهر ولا يثمر!، كحبال الكذب القصيرة، التي تنقطع مع أول شدة حقيقة. ويا خوفنا أن يتحول الكثيرون في هذا الزمن العقيم، إلى أشجار زيزفون منزوعة الأزهار والرائحة!.
أنتم ملح الأرض. وإن فسد الملح، فبماذا يُملّح؟؟!، هكذا قال السيد المسيح لتلاميذه، الملح يفسد فقط إذا اختلط بالتراب والشوائب، فهل ننقي حياتنا من أدرانها ونصدق مع أنفسنا للحظة واحدة؟!. كل نيسان وأنتم بحلاوة الحقيقة تنعمون!