إلى أي حد وصل الخلاف؟

اهتمّ الإعلام العربي والغربي باعتراض وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، على قراءة رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من قبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، للقمة العربية. وجاء احتجاج الفيصل على الموقف الروسي من سورية، ما مثّل إحراجاً للرئيس المصري.
الخلافات العربية أوسع من ذلك، بخلاف الرأي المتداول في الإعلام، ولدى النخب السياسية العربية. فالقمّة العربية ظهّرت الشقوق والتباينات وسط معسكر الاعتدال العربي تجاه ملفات المنطقة، أكثر مما أخفتها أو حجّمتها؛ هذا من جهة. وزادت، كذلك، من حجم الفجوة التي تفصل بين إدارة الرئيس أوباما والسعودية، من جهة أخرى!
على صعيد المعسكر المحافظ العربي، فإنّ التباينات أصابت، أولاً، عدم دعوة الائتلاف السوري المعارض لملء مقعد النظام السوري. كما أنّ الخطابات العربية الرسمية تباينت تجاه الأولويات؛ فبينما بدت أولوية السعودية ممثلة في اليمن والتمدد الإيراني، فإنّ أولوية باقي الدول العربية تتمثل في مواجهة تنظيم "داعش".
بالطبع، الخلافات تتعمّق أكثر مع النظرة إلى الملفين السوري والعراقي، والعلاقة مع كل من تركيا وقطر. فالسعودية بدأت تفكّر اليوم في تدشين تحالف إقليمي سُنّي، يضم باكستان وتركيا، مع السعودية ومصر، كلاعبين رئيسيين، كما كشف الباحث السعودي نواف عبيد. فيما تتخوف دول عربية أخرى والولايات المتحدة من أن يؤدي ذلك إلى نقل المشهد العربي بأسره نحو حرب عربية- إيرانية (سُنّية-شيعية) مفتوحة وممتدة، وبما يُبعد الحلول السياسية.
على الطرف الآخر، فإنه بالرغم من أنّ الولايات المتحدة الأميركية أعلنت دعمها "اللوجستي" لـ"عاصفة الحزم"، إلا أنّ الرئيس أوباما يميّز تماما بين ما يحدث في العراق وسورية من جهة، وبين ما يحدث في اليمن من جهة أخرى، من منظور المصالح الاستراتيجية الأميركية؛ ففي الوقت الذي نُصحت فيه القيادة الإيرانية بالانحناء لـ"العاصفة" السعودية في اليمن، تتعاون الإدارة الأميركية مع الإيرانيين في كل من العراق وسورية، بما يخدم النفوذ الإيراني تماما، في مواجهة تنظيم "داعش".
بالنتيجة، هناك مشكلة ضمن زاوية الرؤية الأميركية في العلاقة مع السعودية. وهو ما يدفع إلى مراقبة مساحة الحركة وهامش المناورة السعودية خلال الفترة المقبلة، ومدى قدرة "القيادة الجديدة" على إعادة بناء ميزان القوى الإقليمي، حتى لو أدى ذلك إلى خلافات مع الولايات المتحدة الأميركية، وتحديدا في كل من العراق وسورية، ما قد يدفع إلى إعادة النظر في المشاركة "السُنيّة العربية" في الحرب الراهنة على الإرهاب.
تدرك السعودية، في نهاية اليوم، أنّها لا بد أن تجلس مع طهران على الطاولة. لكنّها تعرف تماما، حاليا، أنّها ضمن ميزان القوى الإقليمي الراهن، لا تجلس على الطاولة وليست مدعوة لذلك، إلا إذا تمكنت مع حلفائها من تغيير الواقع القائم الآن. ما يعني أنّ عليها أن تُربك النفوذ الإيراني في كل من العراق وسورية، وأن تضعف قدرة طهران على الحسم هناك، ما يجعل طهران نفسها تدعو إلى الحوار والتفاوض. والحال نفسها في اليمن بعد "عاصفة الحزم". لكن مثل هذه المقاربة الجديدة، إن تطوّرت، ستبعثر الحسابات الراهنة لكل من الولايات المتحدة ومعسكر الاعتدال العربي.
لا يمكن القول إنّ "الفجوات" في معسكر الاعتدال العربي قد وصلت إلى مرحلة يصعب ردمها؛ فما تزال هناك مساحة مشتركة واسعة. لكن ما كان مخفياً بدأ يبرز، فيما يترقب الجميع نتائج المباحثات الإيرانية-الأميركية، لما قد ينبثق عنها من نتائج جوهرية على النفوذ الإقليمي الإيراني. وهو ما سينعكس على السلوك السعودي بالدرجة الأولى، ويحرّك النقاش حول الأولويات ومصادر التهديد في أوساط المعسكر المحافظ العربي!