رقصة العار التلمودية والمراجل الفيسبوكية !


( *** "ذكرت وسائل إعلام يمنية،أن حمارًا تملكه قبيلة 'مكابس' أقدم على اغتصاب حمارة قاصر تملكها عشيرة 'بني عباس'، الأمر الذي دفع صاحب الحمارة إلى ضرب الحمار،ما أجج غضب بني 'مكابس' ودعاهم إلى التجمع والاعتداء على الرجل صاحب الحمارة. تطور الأمر فيما بعد بين القبيلتين إلى حد استخدام الأسلحة النارية والقنابل اليدوية،أدى إلى سقوط ( 15) شخصًا من الطرفين بين قتيل وجريح."

*** تسبب تطاول أحد شرطة الاحتلال الإسرائيلى الخاصة فى المسجد الأقصى،على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم،فى إشاعة توتر شديد وتجمهر للمصلين الذين شرعوا بإطلاق "تكبيرات إحتجاجية".)


رقصة العار التلمودية في مطار عمان الدولي،وردود المغردون و الفيسبوكيون على الشبكة العنكبوتية تدل على فجاجة إنفعالية،وركاكة تعبيرية. فالرقصة من دون مواربة امتهان للكرامة،تطاول على السيادة،فتح جرح عميق في المشاعر. اذ جاء توقيتها متزامناً مع الاحتفالات الشعبية والرسمية بمعركة الكرامة. المثير للأشمئزاز، تلك التبريرات الرسمية لـتبرئة ساحة " الرقاصين " الذين اهانوا هيبة الامة في عُقر دارها،و خلق الاعذار لهم ـ كالعادة ـ عند الاختراقات اليهودية للمحرمات الوطنية،والمقدسات الدينية. اللافت اكثر في الرقصة شعور الحاخامات بالامان والحبور اثناء اداءها فوق ارض الحشد والرباط وكأنهم في برنامج تنافسي هدفه الحصول على جائزة السعفة الذهبية.يقابله خنوع مزر من طرفنا،وكأن العربي حصان من حطب لا يبرح مكانه،وسيف من خشب لا يذبح فرخة.

عند تحليل الرقصة التلمودية، يجب النظر الى مراميها و مراميزها :الرقصة دينية تطهيرية كما وصفتها الصحافة العبرية ، " وكأن المكان دنس" كما يقول تلمودهم : ان الاغيار انجاس والعرب انجسهم.سبقت الرقصة احداث مفصلية رفعت من ثقة اليهودي بنفسه ابرزها:عودة الليكود المتشدد للحكم رغم التوقعات بسقوطه،رافقت الفوز بالانتخابات الاخيرة تصريحات زعيمه نتنياهو ان لا دولة فلسطينية على الارض الفلسطينية بالمطلق.ومن ناحية ثانية كشفت الانتخابات فيما كشفت من خبايا المجتمع الصهيوني، إقتراع الشارع، لحزب الليكود هو في حقيقته تصويت تحقيق يهودية الدولة،خالية من أي شائبة اخرى وعلى راسها العرب.تاسيساً على ذلك فان وجود الصهيونية في فلسطين ليس له الا معنىً واحداً،نفي الاخر تمهيداً لشطبه،وبالتالي فان نظرية الوطن البديل لم تزل قائمة،وكذبة اسقاطه بمعاهدة وادي عربة،إنكشفت و سقطت في آن واحد.

العبيد لا يقاتلون ولا يصنعون تغييراً بل الاحرار الاتقياء اصحاب العقيدة،الشرفاء من اهل الوعي،والمثقفون الذين لم يرهنوا انفسهم للشيطان.نستشف من ذلك، ان اسوأ ما فينا نخبتنا التي تجلس في قاطرة القطار وتجر باقي خلق الله خلفها الى المحرقة على سكة مرسومة لا تحيد عنها.قاطرة الدرجة الاولى يتكدس فيها هواة تكديس الارصدة،ومستبدون فككوا شخصية الامة باحكام عرفية،وزنازين رطبة،حتى اصبحت مجتمعاتنا العربية تحتضر. فكيف ننتصر اذن، على اعدائنا و اسباب القوة وحرية الراي والديمقراطية مسلوبة ؟!. كيف يمكن لجموع مضبوعة، أُستأصلت حناجرها من " لغاليغها "،استنكار رقصة عار رمت قفاز التحدي بوجوه جمهور المطار،وهم جلوس على مقاعد المغادرة او يستعدون لاستقبال من كانوا في الغربة.

في ظل هذه النوازل،تتبارى النخب النفعية لمراكمة مكتسباتها الذاتية.تجدها لا تخجل من التطبيع من الدولة العبرية،حمل ثنائية الجنسية،ازدواجية الموقف،ممارسة الدعارة السياسية في صالوناتها المخملية على ايقاع قرع انخاب الويسكي،والتهام الخراف البلدية.نخبة استعلائية تنظر للآخرين نظرة دونية،تحسب نفسها انها ولدت من سلالات لم الله يخلق مثلها،وفي حقيقة الامر جذورها عفنة.على المقلب المقابل .هناك مواطن يلتقط رزقه على الارصفة الشعبية ـ بطلوع الروح ـ ، مواطن مأزوم اقتصادياً،مخنوق نفسياً،مدعوس اجتماعياً،مهزوم انسانياً لاسباب ـ واللهِ ـ لا تتعلق بالوطن والمواطنة،بل بنخب كريهة ظالمة، ظلمت المواطن لاسبابها الخاصة من اجل ترويعه والصعود على اكتافه، لتشليح شجرة الوطن مما بقى من باقي ثمارها .

الحق احق ان يقال انها قيادات سياسية مريضة مفككة وغير امينة، لا ترى قوتها الا في طحن مواطنها،فتشله وتقضي على مستقبله ترقص فوق جثته،وتحتسي نبيذها بجمجمته.شخصيات عدوانية تتلذذ بقتل مستقبل طالب وتعذيبه لاشباع رغبة سادية بحتة ـ كما حدث معي ـ من لدن كائن هش،انحدر من اسرة مفتتة ،معروف لمن حوله انه " ابو حكة". تراه يهلل بفرح سادي ،عندما يفتك بشاب صغير،ويفجع به اهله. افاعيل وضيعة هي جزء من مهماته القذرة شعاره :" ليس المواطن اغلى ما نملك" بل "ممنوع عليك ان تكون وطنياً في وطنك"،لذلك من نكد الدنيا على الحر،ان يوقعه حظه العاثر مع "مسؤول كذاب" و تلتقط ذاكرته الطرية صورة لمخلوق بشع مثله كأنه جثة متفسخة.

النخبة الجاهلة تفننت في قتل الروح المعنوية للمواطن،وكانت تبتهج مدعية انها تعمل لمصلحته وحمايته. في الوقت التي تحرمه من اقل ما يحتاجه المواطن في المجتمعات الكريمة، من مشاركة في شؤونه السياسية لرسم مستقبله،وإظهار قدرته على التغيير الاجتماعي والمساهمة في رفع سلم التنمية،و احداث التحديثات الضرورية لمواكبة عصره.وهو ما يعرف في العلوم السياسية "سيادة المشاركة".و للاسف هي محرمة على الاكثرية،ومتاحة فقط لـ "اولاد الداية".

نظرة للانتخابات البرلمانية والبلدية،و طريقة اتخاذ القرارات ذات العلاقة الصميمية بحياة المواطن،تجده مُغيباً.اللافت اكثر انه الغائب الاكبر. فاذا كان رؤساء وزراء لا يعرفون ما يدور تحت كراسيهم،ووزراء يأتون ويذهبون من دون ان يعرفوا لماذا اتوا، ولماذا رحلوا؟!.وهناك بعض ذوي المناصب الرفيعة جاؤوا ثم انطفأوا ولم يشعر احد بهم،لسبب بسيط انهم لم يتركوا وراءهم بصمة،فاختيارهم ابتداءً كان خطأً كبيراً،وإثماً مبيناً ؟. الخلاصة الخالصة ان لا دور للمواطن الا في ديكور الانتخابات الصورية. فالاصلاح بهذا المعنى مثل تفحيط دواليب سيارة في ارض رخوة، من دون ان تتقدم قيد انملة باتجاه ارض صلبة.

المشاركة الشعبية هي اسهام المواطن في عملية البناء،ليكون مصطلح التنمية شاملاً لجميع الشرائح،على راسها اسهامات القاعدة المطحونة من اجل حياة افضل معيشياً،و اكرم انسانياً لها،بعيداً عن التمييز بين الناس على اسس جهوية،عشائرية،طائفية،مناطقية،عنصرية. لاجل هذه الغاية،ومن اجل مشاركة فعلية فاعلة،يجب انهاء الحقبة الرومانسية الابوية، واعتماد وسائل الانتاج الذاتية للافراد،والتحرر بالمطلق من مكارم وعطايا الدولة العلية.

احوالنا قاتمة ومقيتة سببها المشاركة الشعبية الاضعف من ضعيفة، ناهيك عن غياب الحريات،فجاءت العواقب مفزعة، تمثلت في ولادة اجيال ناقمة، ساخطة،عدوانية،سلبية،غير منتجة. تورط بعضها بالانتساب لمنظمات ارهابية ليشعر بوجوده، ويحس بمعناه بعد تجريده من انسانيته على ايدي "اولاد الحلال"، في حين انصرف بعضهم لتعاطي المخدرات،بينما البقية الباقية دخلت في غيبوبة اللامبالاة السياسية،و اللا اكتراث الاجتماعي عن كل ما يدور حولها،فاصبح واحدهم كالمصاب بالفصام التخشبي غير راغب بالحركة حتى لو" زلزلت الارض زلزالها "،وهو ما يعرف بالاغتراب.اغتراب المواطن داخل وطنه،ولكني اميل الى تسميته بـ " الخصاء العام ".

الاغتراب داخل الوطن،عرّفه علماء الاجتماع: " عدم الرضا عن القادة السياسيين،وخيبة الامل الكبيرة في الحكومات،والشك باقوالها،و اللاثقة بافعالها ".عوامل قادت الاجيال الصاعدة للعزوف عن الاشتغال بالسياسة كالانتماء للاحزاب،وغياب الدافعية للذهاب الى صناديق الاقتراع لاحساس الفرد بالهامشية، وفقدان الاهمية،و الشعور الراسب في عقله الباطن، بان السلطة لا تشعر بمعاناته،ولا تهتم بامره،مضافاً لها تدهور احواله المعيشية،ورؤيته هروب رؤوس الاموال الوطنية،هجرة العقول المبدعة،تنامي الفساد بمتواليات هندسية الى ان وصل التدهور الاخلاقي الى سرقة الماء والكهرباء وما بينهما من اراضٍ الخزينة و ملايين سائلة.عند ذلك يكون مونولوج المواطن الداخلي : "صوتي،مشاركتي،صراخي، لا يقدم ولا يؤخر.بقائي في بيتي اشرف لي بعد ان كشفتهم. ـ فشروا ـ بعد اليوم لن اكون غيري". افتخر انني عضو بارز في الاغلبية الصامتة،و من مؤسسي "حزب الكنبة" الوطني. لذا ارفض ان اكون عجينة طرية بإصابعهم،رغم اني صنيعة قراراتهم الخاطئة.

"الرقصة التلمودية" سياسياً وسيكولوجياً مخجلة من الفها الى يائها،فيما التبريرات الرسمية اكثر من مضحكة لانها لا ترتقي حتى الى اللغة المتماسكة والحجة المقنعة،بينما الحالة الشعبية اكثر سوءاً. جمهور المطار ظل يشاهد الدبكة العبرية مخدراً حتى اخر "قهقهة" اطلقها الحاخام قواد الدبكة الذي يلوّح بمنديله فرحاً لجمهور النظّارة . ردود الفعل العنترية اتت من ملايين "الفس... بوكيين " التي جاءت تعليقاتها مثل "الجعط على البلاط". لانطالب وليس المطلوب امتشاق بندقية احمد الدقامسة،فحمل السلاح قرار بيد اهل الحل والربط،و لايجوز تجاوزه،لكن المطلوب اضعف الايمان بان يحذف واحد ـ اخو اخته ـ "كندرته" على لحية حاخام قميء، كما فعلها منتظر الزيدي حينما صفع رئيس اكبر دولة في العالم كانت تحتل دولته

اللغة الانشائية المسفوحة على الشبكة العنكبوتة لم تصطاد برغوثاً،لكنها كشفت حالة الفصام،والعالم الموهوم التي يعيشها المواطن،وتأرجحه بين الواقع والخيال. ما يؤكد ما ذهبنا اليه من تحليل عن السلوك الجمعي التخيلي،والسلبية التي تحكم الحالة الشعبية،جاءت نتيجة للاحكام العرفية التي قتلت النخوة في داخل الفرد،ولفساد جماعة النخبة التي احبطت بافاعليها الكثرة،واستبداد اهل السلطة على المجاميع المغلوبة على امرها،ولم تجرؤ على الاقتراب من الحلقات الخاصة والمقربة منهم،ما ادى الى شرخ كبير في شخصية المواطن.فلا عجب عندما نقرأ دراسة غير رسمية صدرت قبل سنوات تؤكد ان مليوناً ونصف المليون مواطن مصاب بالامراض النفسية.

تشتعل مجزرة تستخدم فيها الاسلحة البيضاء والنارية والقنابل لرد شرف القبلية بسبب إغتصاب حمار لحمارة، بينما نرد بهتافات احتجاجية مبحوحة خجولة على شرطي يهودي تطاول على سيد البشرية وخاتم المرسلين،داخل الاقصى همزة الوصل بين العبد وربه ،ثم نتمرجل في مواقع التواصل الاجتماعي على من دبك على مشاعرنا داخل رمز من رموز سيادتنا،ونشبعه شتماً. فرقصة اليهود لم تات عفوية،بل هي اختبار لوطنيتنا،و قرآءة لرد فعل رجولتنا.فكان الاكتشاف المذهل اننا نخاف من ظلنا،ونقصف اعداءنا من خلف سواتر شاشاتنا الكمبيوترية منها والفضائية. بفصيح العبارة،تشخيص حالتنا الراهنة لا تخرج عن احد الاحتمالين: اما اننا نعاني حالة فصام تخشبي او اهل جعجعة،و اصوات منكرة ليس الا....رغم ان الاحداث الجسام تفرض علينا ان نكون حائط صدٍ للقوى الشريرة كلها.
مدونة بسام الياسين