انت حر..

تكتشف بسهولة في ملتقى اصلاح الإعلام الذي عقد امس، بتنظيم من مركز حماية الصحافيين أن ثمة بونا شاسعاً بين الطموح والواقع، وانعدام اللغة المشتركة بين الحكومة والاعلاميين المشاركين، إن لم يكن انعدام ثقة، رغم الاتفاق على الأسس والمنطلقات.
ممثلو الحكومة وزير الاعلام محمد المومني ومنسق حقوق الانسان في رئاسة الوزراء باسل الطراونة ورئيس هيئة الاعلام أمجد القاضي، قدموا رؤية قوامها أن الجهات الحكومية تقوم بانفاذ القانون. ومعهم حق، فليس مقبولا أصلا مطالبة السلطة التنفيذية بلعب دور آخر.
المومني أكد بدوره التزام الحكومة بتعزيز دور الإعلام الوطني, واحترام حقه في العمل بحرية واستقلالية، انسجاماً مع نهج الإرادة السياسية الرامي الى دفع مسيرة الإصلاح السياسي كجزء من عملية الإصلاح الشامل التي يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله ورعاه. قوبل بارتياح كبير، على الرغم من المعيقات وفق متحدثين.
الحاجة الى تعديل قانون المطبوعات تبرز وفق مداخلات المشاركين بضرورة ان يحاكم الاعلامي والصحفي بموجب قانون واحد.. وليس عدة قوانين، فما معنى القول إن اعلامياً لم يسجن لخرقه قانون المطبوعات، في حين يحاكم بموجب قانون العقوبات أو منع الارهاب، وداخل الزميل اسامة الراميني، ناشر موقع اخبار البلد، مؤكداً ان ثلاث قضايا رفعت عليه أمام محكمة أمن الدولة.
رئيس مركز حرية الصحافيين نضال منصور نبه الى أن النضال ما زال مستمراً من أجل حرية الإعلام، لافتاً الى أن النضال مستمر ما دام هناك إرادة للتغيير تؤمن أن حرية الإعلام ركيزة أساسية للإصلاح والتنمية المستدامة وتنمية الموارد البشرية.
إعلام وطن أم إعلام حكومة.. لم يكن السؤال الذي أطلقه الزميل سميح العجارمة، مدير تحرير موقع سرايا، مكروراً، فهو ابن لحظته.. فكثير من الإعلاميين يسيئهم تغير وتقلب سياسات الحكومات وسياساتها الإعلامية.
بدوره ذكر الدكتور مروان المعشر ان «الارادة السياسية غائبة» في حرية الاعلام بمجرد المقارنة بين ما كرسته الاوراق الملكية النقاشية من أن الاختلاف في الرأي ليس شكلا لانعدام الولاء، وبين الواقع الاعلامي الان.
خبير حقوق الانسان المستقل فادي القاضي ذكر ان هناك تواتراً وتصاعدا في استخدام ادوات قانونية لتحد من حرية التعبير.. منها قانون منع الارهاب. وجادل المفوض العام للمركز الوطني لحقوق الانسان موسى بريزات بأن حرية التعبير هي الحرية الوحيدة التي تم فرض قيود عليها لأهميتها وخطورتها ويتوجب ان تخضع هذه القيود للديموقراطية وللمجتمع.
وعن توصيات مجلس حقوق الانسان في جنيف التي رفعت للحكومة أكد باسل الطراونة انها في طريقها الى التنفيذ. لافتاً الى ان مجموعة القوانين التي يتوجب اصلاحها والتي ورد النص عليها في توصيات جنيف موجودة الان في مجلس النواب بانتظار تعديلها.
الكرة في مجلس النواب اذن؛ وكان رئيس لجنة التوجيه الوطني النائب زكريا الشيخ أكد اهمية ألا تتعارض قوانين الاعلام الوطنية مع المعايير الدولية والدستور.
خلاف طرأ بشأن وضع حقوق الإنسان في ظل إقليم مشتعل، لكن فادي القاضي دافع بأن الإقليم المشتعل لا يبرر التراجع عن حقوق الإنسان، مبيناً ان كلفة تقييد حرية الانسان على الحكومة أكبر منها على المواطنين. وأجد نفسي اتفق معه، لأن في مواجهة الارهاب، يعد قمع الحرية إرهابا مقابلاً.
ثمة من يتساءل عن جدوى لقاءات كهذه، مؤكدا انها تعيد حديثاً مكروراً يسمع في كلها.. بيد أن ما ميز هذا الملتقى برأيي انه جمع الحكومة بالإعلاميين، وفكر فيه الجميع بصوت عال، فبدأ واضحاً أن الطرفين على رصيف واحد.. بيد ان ما ينقصهما هو التشبيك بينهما، وتحويل الافكار الى عمل، والالتفات للمواطن، والقول له: أنت حر!