حتى في السياحة نفشل وينجحون

 

زائر شرم الشيخ ــ إن كانت الزيارة الاولى او العاشرة ــ يصاب بالدهشة من الخطط والبرامج التي وضعتها وزارة السياحة المصرية، لجذب هذه الاعداد الكبيرة من السياح الاجانب والروس تحديدا، والعرب ايضا، مع ان السياح الاجانب اكثر وضوحا على شواطئ وفي شوارع وأماكن شرم الشيخ الجذابة.

انها مدينة نظيفة بكل معنى الكلمة، وقد تم الاستثمار فيها بشكل لافت للنظر، والاهم من كل هذا، ايجاد الثقافة والسلوك السياحي في التعامل مع السياح، وهذا تلمسه في كل مكان تزوره في شرم ومنتجعاتها واسواقها.

منذ عشر سنوات، ونحن نضع الخطط للعقبة التي لا تبعد كثيرا عن شرم الشيخ، وتشبهها في مجاورة البحر الاحمر، والمناخ وطبيعة الارض، لكن الفرق بينهما كبير، وما تشاهده في شرم الشيخ لا يمكن ان تشاهده في العقبة.

حولناها الى منطقة اقتصادية خاصة، ووضعنا لها قانونا خاصا، ومنطقة حرة، وهيئة مشرفة مستقلة، وتعاقب على رئاستها نحو 10 رؤساء، واختلفنا في البداية على استقلالها، ومع هذا لا نشاهد فيها سياحة لافتة للنظر، ولا تدر دخلا محترما، مثلما هو الواقع في شرم الشيخ، حيث تشاهد خلية نحل في مطارها الذي يستقبل السياح من كل دول العالم.

حتى السياحة الداخلية لم نفلح فيها في العقبة، ولا يجذب الاردنيين اليها سوى البضائع الصينية درجة عاشرة، وكراتين الموز، ومكسرات الشعب.

لِمَ لا تستفيد العقبة من درس جارتها شرم الشيخ، على الاقل نستنسخ تجربتها، ونتخلص من عقد الخطط والاجتماعات والدراسات التي اثبتت بالتجربة الحية انها تبقى حبرا على ورق، ولا تنجح في جذب سائح الى العقبة.

للسياحة شروط وادوات لا بد من توفرها، وفي العقبة أمن وأمان قد لا يتوفر في اي مكان آخر في المنطقة، لكن هذا وحده لا يكفي لجذب السياح، الذين يريدون ان يشاهدوا كل شيء متوفر في المنطقة التي يرتادونها للسياحة، يريدون شواطئ نظيفة، وفنادق لا تستغلهم، وبرامج سياحية تخدمهم، يريدون اسواقا تراثية، وبعضهم يريدون كازينو، وأماكن ترفيه ومنتجعات توفر لهم كل احتياجاتهم.

لقد تأخرنا كثيرا في الوصول الى مصاف الاستثمار في السياحة، باعتبارها صناعة تدر دخلا كبيرا على البلاد، وقد سبقتنا دول لا تمتلك مقومات سياحية، وامنية مثلنا، ومواقع غير موجودة في العالم كالبحر الميت والبترا والمغطس، ومع هذا لا نزال ممرا للسياحة، برغم اننا نملك نحو 533 فنـــدقا، تشغل نحو 15736 موظفا، ويبلغ عدد المطاعم السياحية 970 مطعما تشغل نحو 19450 موظفا. ويتشابك قطاع الفنادق وحده مع نحو 58 نشاطا اقتصاديا، وذلك لتزويده بمستلزمات الانتاج السلعية والخدمية اللازمة.

السياحة في هذه الايام ابداع وابتكار، وهي عملية انتاج مترابطة، واستراتيجيات وخطط عمل متطورة، وهي تحويل المقومات الطبيعية وغيرها الى مردود اقتصادي مهم، وهي تنمية مستدامة وخلق فرص عمل، هي فعلا صناعة بامتياز.

لم تعد السياحة مجرد التغني بارضنا الخضراء، وشعارات على الشوارع والطرق، وملحقية في عمل الحكومات، بل اصبحت خططا واقعية، وتقنيات جديدة، ومقاربات جديدة متطورة، وحاجة الى ان نعرف كيف نحول السياحة إلى عملية انتاجية يومية ناشطة في المناطق كافة.

تحتاج السياحة الى موازنات ضخمة للترويج السياحي، فنحن لسنا اقل اهمية في الجانب السياحي من مصر التي تخصص مئات الملايين من الدولارات لجذب السياح، الى مواقعها الاثرية، بينما نخصص نحن ارقاما لا تذكر في المنافسة السياحية.