كيف تصبح كاتباً ؟


لا يوجد كتاب بهذا الأسم بعد، على غرار تلك الكتب التجارية التي تعد الضحايا الرومانسين بأن يصبحوا من أصحاب الملايين في شهر أو أن يتعلموا الإسبانية في أسبوع، أو على غرار كتاب كيف تصبح قائداً وقيادياً في سنة.

ومنذ أصبحت تكاليف النشر تغري المتثاقفين لزهادتها، وبسبب حاجة الإعلام العربي إلى علف على مدار الساعة، أصبحنا نرى تلك الكتب التي ترغي وتزبد بكل ما كان يعتبر في يوماً من الأيام محضوراً ، فشاهدنا روايات البورنو والشواذ وكل ما يخص المحرمات تنمو بإطراد، كأن المكبوتات تفجرت مرة واحدة، ومنهم من كانت قريحته واسعة بحيث يسرد سيرته الذاتية ومغامراته الدونكيشوتية مع النساء والفتيات، ويعيد كتابة تاريخه بأثر رجعي كأنه فولتير أو دالمبير أو جان جاك روسو.

روايات وكتب تُخاطب الجسد عبر أضيق الغرائز حساسية، ولا يمكن وصفها بالأدب الجديد أو المُنفتح على الحداثة، لأن أمثال بريخت وألبير كامو وجورج أوريل، عندما كتبوا عن الغرائز السفلية حسب تعبير فرويد، كانت النهضة والألم والثورة الفرنسية والباستيل والماترينخ تشع من أبجديتهم كالمفاعل النووي تماماً، وعندما كتب جيوفاني بوكاشيو رائعته الخالد الديكاميرون، كانت سبعة نسوة ترملن من الطاعون الأسود في فلورنسا، وأجتمعن قرب غدير ماء في باحة كنيسة القديسة سانتا ماريا، وحلفن بشرف رجالهن وأولادهن وجميع ضحايا الطاعون الخبيث أن يلهمن الأجيال ويطردن ذاك الكابوس من ليل البشر الذي مرغ أوروبا وقتل ما يزيد عن ربع سكان القارة العجوز، وهذا ما أشارت إليه البحوث الحديثة عن الطاعون الأسود في القرن الرابع عشر.

الإستحلاف بالجسد وربطه بالكتابة هو رديف دموي للتخلف وسايكولوجيته، وهذا حال جميع المفاهيم التي تم ولادتها أنبوبياً داخل الثقافة العربية المعاصرة، مثل مفهوم العبث عند البير كامو، الفيلسوف الفرنسي والأديب الدموي، أو عبث نيتشه وشوبنهاور، وأدى سوء الفهم هذا إلى قلب المعايير، فقد تم تقديس اللحية والقذارة والنوم حتى العشاء عند البعض، ومنهم من جعل شعره موئلاً للحشرات تيمناً بالشاعر الثوري رامبو، وكانت بعض الكلمات تردد على نحو ببغاوي في الصالونات الثقافية والأندية.

هذا النادي والصالون الثقافي متاح لجميع الفئات الإشتراك فيه، شريطة تدني الغرائز وتورمها، فتأليف كتاب واحد يحمل تلك الصفات يتيح للمُتثاقف أن يتالق إعلامياً بحيث تفتح امامه جميع الأبواب، ويصبح على تواصل مع الطبقة المخملية ، ويُربط بشريط ساخن مع محطة تلفيزونية وجريدة محلية ووطينة تعيد إنتاج أقواله، موصول مع جهاز أمن بوليسي يُحركه عن بعد كما تفعل الدمية في مسرحية أبسنت البطرياركية.