عتب هنا وهناك بقلم : المحامي الدكتور ابراهيم العموش

عتب هنا وهناك * المحامي الدكتور ابراهيم العموش تمر المنطقة العربية بمنعطف تاريخي في الإصلاح السياسي، وإذا كانت الدول العربية قد تنبهت لهذه الضرورة مؤخراً تحت وطأة المسيرات والاعتصامات فإن الأردن وبموجب الدستور والأوامر والتوجيهات الملكية على الطريق الصحيح في الإصلاح بل وقطع أشواطاً طويلة في الإصلاح السياسي متقدماً بذلك على دول المنطقة قاطبة. وما نحتاجه الآن هو إعلاء البنيان في الإصلاح بما يحقق ما تصبو إليه الأجيال دون المساس بالثوابت الوطنية. ولما كان الأردنيون بأغلبيتهم الساحقة متفقين على أن الحوار هو السبيل الأمثل لتحقيق الإصلاح، فإن صوت العقل والتواصل الهادئ هو الواجب التحكيم. أما الأقلية الرافضة للحوار، فمع الاحترام، ليس لها أن تصادر قرار الأغلبية وليس لها أن تختطف الشعب والدولة والشارع تحت التهديد والوعيد. فحق التعبير عن الرأي مكفول بالدستور ولكن ضمن حدود القانون، فأي حق هذا الذي لا يكون إلا بالتضييق على العباد وزعزعة أمن البلاد. وإذا كانت جبهة العمل الإسلامي جزءاً من النسيج السياسي الأردني، والتي كان الأردن على مر السنين الحاضن لها الحاني عليها، لها ما تقوله في هذه الظروف فلتقل قولاً جميلاً، ولكن كما كنا ولا زلنا نتمنى على جبهة العمل الإسلامي أن تكون رافعة من روافع نهضة الأردن وكبريائه وعليائه. لنا عتب نسجله على الجبهة وعلى جماعة الإخوان المسلمين ومشايخهم وقياداتهم، فكيف تتاح لهم فرصة تاريخية للمشاركة في الحوار الهادف إلى تحقيق مكاسب جديدة في الإصلاح السياسي برعاية ومبادرة ملكية، ويفوتون على أنفسهم وعلى الوطن هذه الفرصة التاريخية. لقد تمت دعوة جبهة العمل الإسلامي لخوض الانتخابات النيابية للمجلس النيابي السادس عشر فأبت الجبهة إلا المقاطعة وفوتت علينا جميعاً فرصة تاريخية لصياغة وصناعة قانون انتخاب عصري يتوافق عليه جميع مكونات النسيج السياسي الأردني. وكما فهمت، فقد تمت دعوة الجبهة للمشاركة في تشكيلة الحكومة الحالية فامتنعت، ثم قاطعت لجنة الحوار الوطني المشكلة لدراسة مبادئ ومكونات الإصلاح السياسي. أليست مشاركة الجبهة في المجلس النيابي والحكومة والحوار الوطني حق لنا وواجب على قياداتها؟؟ والله لا يكون الإصلاح بالصياح على المنابر وإغلاق الطرقات وسد أبواب أرزاق الناس يوم الجمعة والتضييق عليهم وإقلاق راحتهم والتطاول على السلطة وعلى هيبة الدولة وأمنها وأجهزتها الأمنية. والله لن يصلح حالنا حتى نلتقي على طاولة الحوار الهادئ الهادف البناء ولن يكون الإصلاح في يوم وليلة. فليأخذ الإصلاح مداه الزمني وليكن ثابتاً دائماً لا عارضاً دون المساس بالثوابت الوطنية ومؤسسة الحكم والعرش وصلاحيات الملك. سامح الله جبهة العمل الإسلامي وقياداتها التي نحترم وإن اختلفنا في الرأي معها. وأستغرب أيضاً من بعض فئات الشباب من أبنائنا الذين يصرون على التعبير عن رأيهم في الشوارع والطرقات يطالبون بالإصلاح السياسي. لم لا تلتقون على كلمة سواء في ندوات حوارية حضارية بعيدة كل البعد عن الوعيد والتهديد وإغلاق الشوارع والساحات العامة؟ نحترم رايكم ونحترم فكركم ونكبر بكم فانتم المستقبل الواعد، ولكن، لا تفرضوا على العباد رأيكم كما لو كنتم أنتم الأعلم والباقون لا رأي لهم. دعونا نحن الأغلبية العظمى نسمع رأيكم لا صياحكم ونتحاور معكم بهدوء بما يخدم المصالح الأردنية العليا وبما يضمن أمن الأردن واستقراره. من حقنا أن نعتب عليكم ومن واجبنا أن نناديكم إلى المستقبل المشرق لكم وللأجيال القادمة، لنحافظ وإياكم على مكتسبات ومقدرات الأردن وثوابته، فإن كان لكم ولجبهة العمل الإسلامي في الوطن نصيب لا ننكره، فللأغلبية العظمى من أبناء هذا الوطن أضعاف ما لكم. وتتنادى النقابات المهنية، والنقباء، ومجالس النقابات مؤيدة لهؤلاء وأولئك، هذه النقابات التي نحن كمهنيين أساسها وسبب قيامها ومسبب وجودها. هذه النقابات يفترض أن تعنى بشؤون المهنة وخدمة منتسبيها بعيداً عن السياسة والتسيس. ومع الاحترام لفكر بعض النقابيين، فإننا نناديهم للتعبير عن آرائهم الشخصية لا عن منتسبي نقاباتهم، نرجوكم أن لا تنطقوا في السياسة باسمنا، فلنا أفواه وألسن ولستم أنتم أحزاباً وتيارات فكرية ننتمي إليها فتفرضون علينا فكركم الذي نحترمه وإن اختلفنا معه. ليس لأحد منا أن ينكر على الأجهزة الأمنية واجبها في الحفاظ على أمن وسلامة الوطن والمواطن، وبالمقابل لا تحتاج الأجهزة الأمنية "لفزعة" من أحد، فهي قادرة وبأعلى درجات المهنية على وضع الأمور في نصابها الصحيح. ونقول لإخوتنا وأبنائنا الذين يعبرون عن رأيهم في التأييد والموالاة، إن جميع الأردنيين الشرفاء من الموالاة، فلا تكونوا عبئاً على الأجهزة الأمنية ولا تعطلوا عملهم في إدارة أزمة طارئة والتعامل معها وفق مقتضيات المصلحة الوطنية. وللراغبين بالاعتصام ندعوكم للاعتصام خارج المدن، فأرض الله واسعة والوطن للجميع وحقوقكم مكفولة وسلامتكم مصونة، ولكن لا تنكروا علينا حقنا في العيش الآمن. وإلى الجميع من ابناء هذا الوطن دعوة مني كمواطن لست أفضل من اي منكم بشيء، لتحكيم العقل في خدمة المصالح العليا للوطن السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها. فوالله لم يخلق هذا البلد في يوم وليلة بل بمسيرة تسعون عاماً من الكد والجهد والبذل والعطاء. لننظر إلى مستقبل أجيالنا وأمنهم ورفاهم، فالإصلاح قادم بأوامر وتوجيهات ملكية، والحكومة تسابق الزمن لتنفيذ تلك التوجيهات، فلنتحاور ولنصبر فالشجاعة صبر ساعة. دعونا نقدم للعالم العربي مثالاً في الحكمة والحصافة والتروي وسعة الصدر والمحبة. دعونا نتسابق إلى الحفاظ على أمن واستقرار الأردن ورفاه أبنائه. دعونا نسوق الأردن كحاضن آمن للاستثمار المحلي والعربي، دعونا نسوق الأردن، في غياب النفط والغاز، كبلد مستقر جاذب لرؤوس الأموال العربية والأجنبية الهاربة من البلاد الملتهبة المضطربة ليتوفر لأبنائها عشرات آلاف فرص العمل وبما يكفل الحد من مشكلتي الفقر والبطالة. اخيراً، كلمة حق لا خلاف فيها، لنقرأ التاريخ والحاضر، فالدول والأمم تصنع الحكام والملوك، وعلى النقيض، فقد صنع ملوك بني هاشم دولة وخلقوا أمة، فالأردن دولة بمؤسساتها وأمة عظيمة بجميع مكوناتها، وسيبقى هذا الوطن عصياً شامخاً صامداً في وجه هبات الريح وإن عتت.