ما بعد عاصفة الحزم؟

لن أرفع صوتي مؤيداً للحرب في اليمن لمواجهة التمدد الحوثي، لأن الحروب وقودها وضحاياها الناس، وفي ذات الوقت أشعر بالفجيعة حد البكاء واليمن تنهشه الميليشيات بالقوة، ويكاد أن يصبح مستعمرة إيرانية بعد أن أحكمت طهران قبضتها من قبل على لبنان والعراق وسورية.
بانطلاق أول طائرة تقودها السعودية وتحالف دول الخليج وبعض الدول العربية وعلى رأسها الأردن ومصر لضرب ميليشيات القوات الحوثية، بدأ الحديث عن تحول في المنطقة العربية بالتعامل مع الأخطار التي تهددها، وبالعودة وبالمقارنة مع الحرب الدولية على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، نجد أن أميركا هي من تولى الحشد والترويج لهذه الحملة العسكرية، وكانت مساهمات الدول هامشية، في حين أن إنقاذ اليمن من سطوة الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح مبادرة إقليمية تقودها دول الخليج وتحديداً السعودية، فهل لذلك دلالات؟.
هذا التحرك العسكري الجريء يكشف عن تفكير وآليات إدارة الحكم الجديد بالسعودية بقيادة الملك سلمان للملفات العربية والإقليمية، فهو يدرك خطورة تسليم اليمن على طبق من ذهب إلى إيران وتأثير ذلك على الأمن الخليجي، ويدرك أيضاً خطأ إضعاف القوى السياسية الأخرى في اليمن وعلى رأسها "حزب الإصلاح" بعد المبادرة الخليجية، والصفعة التي وجهها الرئيس المخلوع صالح بعد أن احتضنته السعودية وأمنت له خروجاً سياسياً آمناً دون مساءلة.
وتُقرأ هذه الحرب أيضاً لاستكشاف الموقف والرد الإيراني بعد أن أطلقت يدها وسط تواطؤ وصمت دولي للعبث في العراق وسورية، وهل ستمضي في عنجهيتها وتدخلها السافر وتتحرك لإغاثة حلفائها الحوثيين؟.
مشكلة إيران التي لم تتوقعها أن التحالف ضد توسعها وتمددها مرفوض ليس خليجياً وعربياً فقط، بل الأهم هو انضمام دول ذات ثقل إقليمي ولها قدرات عسكرية كبيرة مثل باكستان وتركيا، وهو ما يؤشر إلى توسع "هلال" المعسكر السني في مواجهة "الهلال الشيعي" الذي تتباهى إيران بوجوده وتمدده على الأرض.
دول الخليج كانت قلقة من صفقة الغرب مع إيران في ملفها النووي، ووجدت أن طهران تستفيد من حاجة ورغبة المجتمع الدولي في احتوائها وطي صفحة ملفها النووي بتجاهل كل النصائح السياسية لها بالتوقف عن اعتبار الدول العربية حديقة خلفية لمغامراتها، وإيران كانت تتحرك، باطمئنانٍ إلى أن أميركا والغرب لن يتحركوا ما دامت تناور وتقدم التنازلات في الملف النووي، وتنشط معهم في مقاومة وردع خطر "داعش" باعتباره الأولوية القصوى لهم.
حتى الآن لا يعرف أين ستقود الحرب على الحوثيين، ما هي تداعياتها، ما هي المكاسب وما هي الخسائر، كيف ستؤمن للحكومة الشرعية العودة لممارسة الحكم، هل ستتوقف العمليات عند الضربات العسكرية الجوية، أم سنشهد تدخلاً برياً بقيادة "الناتو العربي" القوة العسكرية التي سيعلن عن تشكيلها في القمة العربية؟!.
باعتقادي أن للحرب على الحوثيين ما بعدها، فإن حققت أهدافها فإن التجربة ستكون موضع دراسة جدية للتدخل في دول عربية أخرى تعاني فشل وسقوط الدولة، وعلى رأسها ليبيا، يتبعها سورية ومن ثم العراق، مع الفارق بين واقع كل دولة، ومع اختلاف الموقف الدولي في التعامل مع المشكلات التي تعصف بهذه الدول.
تحرك العرب بعد سبات طويل وبغض النظر عن مبرراتهم وانتقائيتهم لتأديب من يخرج عن الشرعية، ومن يحاول العبث ببلدانهم، يجد الترحيب ممن يعارضون التفتيت الطائفي والتوسع الإيراني، ويجد الاستغراب ممن يذكرون ويسألون؛ لماذا شرب العرب "حليب السباع" لمواجهة الحوثيين وأتباعهم، ويغمضون عيونهم عن "إسرائيل" التي تحتل فلسطين منذ 67 عاماً ولا يجرؤون حتى على إغضابها؟!.