أربع جماعات للإخوان المسلمين!


أخبار البلد- جمانه غنيمات

بإعلان "فريق الحكماء" من جماعة الإخوان المسلمين سحب مبادرته للتوافق داخل الجماعة، يدخل "الإخوان" في الأردن مرحلة جديدة من الأزمة التي تعصف بهم منذ فترة ليست بالقصيرة، ولا أحد يدري، حتى اللحظة، إلى أين يمكن أن تصل في نهايتها. لكنها بالتأكيد أزمة تزيد من ضعف "الإخوان"، وتوجه ضربة جديدة لتجمعهم، لاسيما بتشويه صورة القيادات، على تعددها، لدى القواعد الإخوانية ذاتها؛ من حقيقة عدم قدرة هذه القيادات على إصلاح ذات بينها، فكيف لها أن تطالب بالإصلاح الأوسع على مستوى الوطن، بل والأمة!
اليوم، يبدو أقرب للمنطق المستند إلى الدليل، أن التدخلات الرسمية في جماعة الإخوان المسلمين ليست هي السبب الرئيس للوضع المتهتك الذي بلغته الجماعة، حتى في حال ثبوت وجود مثل هذه التدخلات، ولو في مرحلة ما؛ ذلك أن الانقسامات الحالية متعددة الأطراف والمرجعيات.
فنظرة تفصيلية لأوضاع الجماعة، تكشف سريعا أنها صارت تؤوي جماعات متعددة متصارعة؛ فلا يقتصر الانقسام على وجود جمعيتين؛ الأولى أو "الأم"، وتلك التي سُجّلت حديثاً، برئاسة د. عبدالمجيد الذنيبات، وتحمل السند القانوني بأنها "جمعية جماعة الإخوان المسلمين" في الأردن.
ذلك أن الفجوة كبيرة بين هذين الفريقين أساساً، وعدم القدرة على الجمع بين الأضداد، كما يبدو، أفرزا بدورهما تكتلا تحت مسمى "فريق الحكماء"، أكد في بيان صحفي أصدره في وقت متأخر من ليل الثلاثاء الماضي، انسحابه من عملية التوفيق الداخلي بين رموز "الإخوان". وهو ما يمثّل، بداهة، اعترافا صريحاً بفشل جهود اللحظة الأخيرة لإنقاذ الجماعة، عبر التلاقي على الحل التوافقي المقترح من جانب هذا الفريق، لتجنيب "الإخوان" سيناريوهات كارثية، لاسيما التمزق والتشتت على وقع أخطاء القيادة القائمة وتعنتها، وأحادية قرارها داخل الجماعة.
مبادرة "زمزم" هي الأخرى خرجت من رحم "الإخوان"، ونأت بنفسها، في سنوات صعبة، عن خطاب الجماعة القديم، بل أعلنت رفضها لسياسة القيادات الحالية. وقد سعت "زمزم" في سياق ذلك، ورغم تعقد الظروف المحيطة بها، إلى تقديم نفسها تياراً إسلاميا معتدلا.
بعد "الحكماء" و"زمزم"، يبرز "شباب الإخوان" الذين يمتلكون نظرة أكثر حداثة من قياداتهم التقليدية، في كل الفرق السابقة. وهي القيادات التي غضّت الطرف، لسنوات طويلة، عن الحاجة الملحة لإصلاح الجماعة من الداخل، وصولاً بالنتيجة إلى ما نشهده حالياً من تمزق إخواني غير مسبوق، ربما يكون أكبر من أي قدرة على الرتق.
السؤال الأردني العام، وليس الإخواني فحسب: ماذا سيحل بأكبر طيف سياسي أردني؟ وما هي مآلات الجماعة بعد كل التطورات الدراماتيكية التي لحقت بها؟ وضمن ذلك: من المُلام الذي يتحمل المسؤولية عما جرى ويجري؟
طبعاً، الكل يكيل الاتهامات للكل، حد سيادة لغة التخوين! بيد أن المنطق يقول إن السلطة تقترن بالمسؤولية؛ بمعنى أن القيادات التي حكمت "الإخوان" لسنوات، تتحمل أساساً بموجب موقعها هذا، المسؤولية عما انتهت إليه الجماعة اليوم من تفتت وتشظٍ، ودفعٍ لأبنائها نحو التمرد عليها بما يشبه الثورة غير المتوجة.
لو اقتصر الخلاف على القيادات التقليدية، ومجموعة/ جماعة د. الذنيبات، و"زمزم" التي انشقت من دون أن تعلن ذلك، لقيل إن ثمة لعبا (رسميا) من تحت الطاولة لإضعاف جماعة الإخوان المسلمين. أما وقد وصلت الحال إلى حد إعلان "الحكماء" سحب مبادرتهم "الداخلية" تماماً، فإن ذلك لا يمكن أن يعني إلا أمرا واحدا: صعوبة التفاهم مع أصحاب القرار داخل الجماعة الأم، وبما يؤكد إغلاق عيونهم وأبوابهم على الإصلاح الذي طالما نادوا به؛ في افتقاد للحكمة التي تمثل الحل السحري، والوحيد.