استراحة الرئيس الأخيرة

يظل الرئيس رئيسا، حتى حين يغادر منصبه، ويقيم مرغماً في مجاهل افريقيا أو جزيرة في عرض المحيط.
سيظل لديه حاشية تسبح «بحبه» صباح مساء، وتدلك له ذراعيه إذا ما اعتراه وهن، وتحلق له لحيته وشاربه، وتلبسه العباءة والدشداشة وبيجامة النوم، بنفس الحماس الذي تعد له فيه خطبه التي ستلقى منذ غادر السلطة في الحفلات الخيرية والغنائية وقرض الشعر الشعبي.
يظل الرئيس رئيسا بالنسبة لخدمه والبستاني الذي يعتني بالحديقة، والسائق الذي اعتاد أداء التحية وثلة من الحرس ما يزال «رئاسياً».
يظل له هيبته، وطلته، وتجدده، وحسابه البنكي بالدولار أو اليورو، وقدرته على ترؤس المجالس والايماء من علٍ، وقول الكلمات الكبيرة.. وصياغة الاحلام والاوهام الكبيرة، واهمها حلم الرجوع الكبير!
سيردد حين يعتلي المنبر العبارات الطنانة عن الوطنية الحقة، وأن الأوطان تحيا فينا حتى لو غادرناها.. ولن يلتفت إلى أن الاوطان حين نفقدها، تفقدنا، وحين نفرط بها تفرط بنا.
مرة قال الملك الضليل «امرؤ القيس» حين كان في الطريق الى قيصر الروم ليستعين به في استعادة ملكه المغتصب:
بَكى صَاحِبي لمّا رأى الدَّرْبَ دُونه وأيقنَ أنا لاحقانِ بقصيرا
فَقُلتُ لَهُ: لا تَبْكِ عَيْنُكَ إنّمَا نحاوِلُ مُلْكاً أوْ نُموتَ فَنُعْذَرَا
لكن الرئيس لم يسمع بـامرئ القيس.. ولم يعذره، وربما استغباه، لأنه مات حتف «ملكه».
لا اريد ان أطيل لأن الرئيس، رغم انه بات سابقاً، يمكن ان تزعج مقالتي استراحته الاخيرة!