رسالة إلى الشعب الأردني
بسم الله الرحمن الرحيم
تحية إجلال وإكبار إلى الشعب الأردني الأبي، أما بعد...
اليوم أنا لست بصدد كتابة مقال أدبي أو تحليل سياسي أو بحث اجتماعي كما اعتدت، بل إن الغاية من هدف هذه الرسالة الموجّهة إلى شعبي الحبيب هي –في نظري- أسمى وأقوى وأعمق من أي عمل قام قلمي بكتابته أو فكري بتسطيره؛ ذلك أنني أتوجه بهذه الرسالة إلى جميع مكوّنات الشعب الأردني وجميع أطيافه على اختلاف المنابت والمشارب وتباين الأقطاب والتوجّهات، في مرحلة حرجة وحسّاسة نمر بها جميعا على تراب الوطن المفدّى.
نحن اليوم مطالَبون بالوقوف بحزم لا يعتريه التراخي وثبات لا يشوبه التردد، في وجه طوفان الانقسام والفرقة والفوضى والغوغائية والتخبط الذي يحاول البعض جر البلاد إليه، فرياح الانقسام والانشقاق المنبعثة من بعض الجهات سواء الداخلية أو الخارجية، والتي تصب جميعها في خندق واحد ألا وهو إغراق الوطن في دوامات الاختلاف والشقاق والتناحر حول أهداف ثابتة وثوابت واضحة، تريد أن تعبث بأمن هذا البلد المستقر منذ عشرات السنين، وتحاول جاهدة إحداث شرخ جوهري وعميق في الصف الأردني الواحد.
لقد طالبنا بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وشددنا على أهمية ضرورة فتح ملفات الفساد وتقديم الفاسدين والمفسدين إلى القضاء، ومحاكمة أولئك الذين تعاملوا مع الوطن كشركة ربحية خاصة، واعتبروا مقدّرات الوطن وممتلكاته ومصالحه أسهما مادية وغنائم وأرباحا أرادوا أن يستثمروها لمصلحتهم الشخصية ومصالحهم الذاتية، وما زلنا نطالب بتلك الإصلاحات وندين الفساد بكافة أشكاله، ونرفض تجاهل المواطن الأردني وحقه في المطالبة بالعدالة الاجتماعية والعيش الكريم والمشاركة السياسية وحرية الرأي والتعبير، وما زلنا نصر على أن تتولى الجهات الرسمية من ديوان ملكي وحكومة وبرلمان مسؤوليتها في العمل على القيام بتلك الإصلاحات بشفافية ونزاهة دون تباطؤ أو مماطلة.
لقد تم إسقاط حكومة سمير الرفاعي بناء على مطالب الشعب الأردني، وتولّت حكومة معروف البخيت مهامّها وفهمت خطاب الشارع الأردني الذي يتطلع إلى التغيير والإصلاح بشغف ونهم كبيرين، وتم تشكيل لجنة للحوار الوطني ضمت ممثلين عن مختلف الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني للتباحث في هذه التطلعات والمطالب، وبالرغم من أنني كنت من أولئك المعارضين لتأليف حكومة البخيت وعدم حل مجلس النواب وتجاهل مسألة اجتثاث الفساد والترهل من جذورهما، إلا أنني رحّبت بفكرة التريّث والتأني حتى نتبيّن النتائج التي ستسفر عنها لجنة الحوار الوطني، ونمهل الحكومة الوقت اللازم والكافي لإحداث تغيير سياسي واقتصادي يستطيع المواطن الأردني أن يلمس ظواهره وثماره على أرض الواقع، بعيدا عن الخطابات الإعلامية وكبسولات المسكّنات وحقن التخدير وديماغوجيا الحكومة والأحزاب.
الحوار البناء والهادف يتم من خلال الجلوس إلى طاولة المطالب ومناقشة مشروعية وإمكانية تحقيق تلك المطالب، ووضع أهداف ثابتة وواضحة يتم الاتفاق عليها والموافقة على تحقيقها خلال جدول زمني عملي مدروس، ووفق خطط وبرامج عملية ومخطط لها، ولا يمكن لمطالبنا وتطلعاتنا وأهدافنا أن تتحقق وتؤتي أكلها من خلال النزول إلى الشارع والاعتصام والاحتجاج وتنظيم المسيرات والمظاهرات؛ لأن هذه الاعتصامات والاحتجاجات تعبّر عن رغبة فئات بعينها ستلاقيها فئات أخرى بمسيرات ومظاهرات مضادة بناء على مطالب مغايرة، مما سيؤدي بالضرورة إلى وقوع الفوضى ونشوب الخلاف وإثارة الفتنة وانشقاق الصف وضياع الهدف.
على الشعب الأردني الحبيب أن يدرك حساسية وخطورة الموقف الذي قد نجر الوطن والشعب إليه إذا نحن لم نتكاتف مع بعضنا البعض، كشعب واحد ويد واحدة ونبض واحد وهم واحد وهدف واحد، فالمتربصون بنا كوطن وكمواطنين سواء من الداخل أو من الخارج كثر ومعروفين، وعلينا بوعي سياسي عميق وفكر وطني تقدمي منظّم وإرادة شعبية قوية، وسمو فكري ونفسي وأخلاقي أن نحذر من غيوم الانشقاق والفرقة والفتنة والفوضى السوداء الخبيثة الماكرة النتنة، التي قد تتجمع في سماء مسيرتنا الواحدة وفكرنا النيّر فتحجب عنا شمس أهدافنا الأصيلة ودفء أمننا واستقرارنا، اللذين لا يتحققا إلا بوحدتنا معا وتضامننا يدا بيد أردنيين وفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين، من الشمال ومن الجنوب، عشائر وحمايل وشركس وشيشان وأرمن، كذلك مؤيدين ومعارضين لنهج الحكومة، في سبيل الحفاظ على الوحدة الوطنية ولحمة النسيج المجتمعي والسلم الأهلي كأولوية أولى على الأجندة الوطنية، إذا كنا نريد لهذا الوطن الحبيب أن يحافظ على مكتسباته وإنجازاته التي حققناها معا على مدار السنوات والعقود في ظل الراية الهاشمية.
عندما نصر على أن مسيرتنا الوطنية في سبيل تقدم وازدهار بل وإصلاح الوطن لا يمكن لها أن تتقدم إلا في ظل الراية الهاشمية وعلى ضوء الملكية وبإرادة شعبية موحدة، فإننا لا نجامل أحدا ولا ننافق جهة لأننا كأفراد وكتاب ومثقفين ووطنيين مستقلين لا ننتمي إلى حزب بعينه أو ندين بالولاء إلى جهة معينة أو نتطلع إلى مرامي خفية، كل همنا هو الحفاظ على سلامة أهلنا وشعبنا من أقصى الشمال إلى أطراف الجنوب، وانتماؤنا ليس إلا لتراب الوطن المفدّى وولاؤنا للشعب ومصالحه وأمنه واستقراره وتطلعاته المشروعة وأهدافه السامية وحقوقه الدستورية، ومرامينا وأهدافنا كأهداف المواطن الأردني البسيط محصورة في الحصول على حقنا في عيش كريم مقابل القيام بواجباتنا الوطنية وتحمل مسؤولياتنا بشجاعة وصدق وحكمة.
أتمنى على الشعب الأردني بكل مكوّناته وعلى اختلاف أصوله ومنابته ومشاربه، وتباين توجّهاته وتطلعاته ومطالبه وانتماءاته الدينية والعقائدية والفكرية والسياسية، أن يقف اليوم وفي هذه المرحلة التاريخية بالذات وقفة رجل شجاع حكيم فطن، مدرك للأخطار المحدقة بنا ولأبواب البلبلة والفتنة والتناحر المشرّعة علينا، بفكر سديد ورشيد ونظر ثاقب وعميق ورؤى مستقبلية بعيدة، فلا تدَعوا أصحاب الأجندات المشبوهة يستخدموننا كأدوات بأيديهم تسيل دماؤنا تحت أقدام مخطّطاتهم وأهدافهم ومصالحهم العابثة بأمن واستقرار الوطن.
لابد أن نكون شعبا واحدا بهدف واحد تحت راية وحدة لنغلّف رغبتنا في الإصلاح وتطلعاتنا إلى الأفضل بطوق من الحكمة والروية والتأني والصبر والحلم والحوار والمرونة، ونحمي مطالبنا وحقوقنا بسياج متين وعتيد من التعاضد والتكاتف الوطني العيي على الاختراق و التصدع، فلنتراص كالبنيان المرصوص يدا واحدة وهما واحدا وهدفا واحدا وقلبا واحدا ونبضا واحدا، دون أن نسمح لبعض الأصوات النشاز والأبواق الشاذة والشعارات المضللة أن تحدث شرخا في صفوفنا، وتندس كطابور خامس بيننا بهدف إشعال فتيل الفتنة وإثارة النعرات وإشاعة روائح الفرقة والعصبية النتنة، فنحن "شعب واحد بهدف واحد" وتحت هذا الشعار قمنا باستحداث موقعا على الفايس بوك حتى نتواصل معا ونشد أزر بعضنا البعض كقلعة مجيدة من قلاع الأردن الشامخة في وجه العدو الغاشم الذي يحاول أن يغير علينا من الداخل، ألا وهو شيطان الفرقة والفتنة والفوضى.
والله من ولي القصد...