حامل السر والرجل الذي أشار اليه

بعيداً عن التوقعات السياسية، والانشغالات اليومية، والهراء الذي نراوح به ويأخذ بألبابنا.. خطر لي أن أكتب:
كنتُ، وما زلت عاشقاً للأجواء الشتائية، للمطر حين يهطل، والألوان الكآبية التي تعلو حجارة البيوت والوجوه والطرقات.
أمام المطر أعود طفلاً يستزيد من الغيث حكمته وجنونه وعطاءه اللامتناهي.
ربما لهذا السبب، وتحديداً لانشغالي بالنظر إلى مهرجان الشتاء خلف النافذة، بعد أن عزفت عن الاستمرار بقراءة الجريدة وما تحويه من غبار..! لم أعر الرجل الذي مر بي في الحافلة كثير التفات، حتى خاطبني بشكل مباشر: هل عرفت حامل السر؟. قبل أن يتسنى لي استيعاب المفاجأة، كان أشار بعجالة إلى فتى، غض الاهاب، غادر الحافلة لتوه مشرق العينين، غير هياب.
لم يكن بمقدوري أن أربط أية علاقة قد تجمعني به أو بالفتى الذي سرعان ما اختفى في تحرك الحافلة وقطرات المطر، يروزني بكثير اهتمام.
خلته فضولياً، من أولئك الذين يطلقون أية عبارة لجذب الاهتمام والتعارف. فرمقته بنظرة استفهام محاولا أن ابتسم. لكنه أردف بجد: حامل السر، صعب أن تراه مرة ثانية. وسار حتى اقصى الحافلة، شرع معطفه حين فُتتح الباب، ولمّ المطر والغيم والألوان الكآبية.. واختفى في الضياء.
من يومها لم أدر أيهما أجدى؛ أن أبحث عن حامل السر أو الرجل الذي أشار اليه، أو الموقف التالي للحافلة حيث يتعين علي، علينا جميعاً، النزول.