أزمة الصحف: الكل يتفرجون ولا معين..!

أخبار البلد -  علاء الدين ابو زينة 
 
عندما أثّرت الأزمة العالمية على أوضاع الصحف الورقية في كل مكان، كانت شكوى المعنيين بهذا القطاع في الغرب كما يلي؛ تحدث البعض بحسرة عن اضطرار الصحف، بسبب ضغط النفقات، إلى إغلاق مكاتبها الخارجية. وقد عنى ذلك، حسب هؤلاء، أن تفقد الصحيفة المعنية صلتها العالمية، وقدرتها على تغطية الخبر على طريقتها من موقعه، والخروج بتقاريرها المحترفة التي تبقي قراءها والعالم مطلعين. وعلى الصعد المحلية المهمة، تحدث البعض بأسف عن إغلاق مكاتب داخلية واختزال كوادر الأخبار، باعتبار ذلك سبباً في تغييب "التحقيق الاستقصائي" الضروري جداً جداً، باعتباره منتج الصحافة الأهم لضبط الفساد وفضحه وكشف القضايا التي تضر بالمواطنين.
على الصعيد التقني والمعلوماتي، وصف المعقبون حالة غرف الأخبار بعد تسريح الكوادر، فقالوا إن محرر "الديسك" سيصنع مواده –لمجرد ملء المساحات- بطريقة القص واللصق. لن تكون له أطراف ومجسات وعيون منتشرة، في شكل مراسلين، يمدونه بمعلومات حية يمكن أن يحس المتلقي بنبضها. كما أن عمى عين المؤسسة عن مواقع الأحداث، سيجعل المعلومة غير موثوقة، أشبه بالإشاعات والتخمينات. وفي الأحوال السيئة، لن تعود مهمة المؤسسة الصحفية صناعة الأخبار والعناوين الملفتة من الأساس، وإنما مجرد النقل من أي مصدر متاح لملء الصفحات وبلا توثق.
ليست هذه بالضبط هي المشكلات التي تواجهها صحفنا المحلية. أولاً، لم تكن لدى صحفنا الرغبة –أو القدرة- على أن يكون مدى تغطيتها إقليمياً، ناهيك عن أن يكون عالمياً. ولذلك، يندر أن يكون لها مكاتب ومراسلون في الإقليم، أو العالَم، أو حتى في مواقع الحدث الساخن على الأقل. وفي جانب التحقيقات الاستقصائية، لا تتيح مساحة الحرية الصحفية، ولا نوعية الكوادر، ولا الموارد، ولا الاهتمام، إنتاج تحقيقات استقصائية تصنع قضايا رأي عام، وتؤثر في حياة الناس وتطيح بمسؤولين أو تسقط حكومات. وسيعني ذلك أن الصحف –بطريقة عملها وهوامش حركتها- لا تنتج مادة مهمة جداً للجمهور حينما لا يجد نفسه وقضاياها في محور عملها. وإذا تحددت مهمة الصحف في تجميع الأخبار من المصادر الأخرى وإعادة تسويقها، كما يحدث غالباً، فإن القارئ سيجد بدائل كثيرة عنها لمجرد تشكيل صورة عامة. ويتبع ذلك فقدان الصحف قاعدة القراء، والاشتراكات التي تغطي بها نفقاتها. وبطبيعة الحال، سيعني ضعف التوزيع فقدان المُعلنين الحافز للإعلان في صحف لا تُقرأ، فتذهب الموارد القادمة من الإعلان أيضاً.
ولكن، وحتى بالأدوار والإمكانيات المحدودة التي تعمل معها الصحف المحلية، فإن هناك إحساساً بأن ورطة هذه الصحف لا تُقابل باهتمام جدي في المساعدة. ويسود إحساس بأن المؤسسة الرسمية تعتبر هذا القطاع هامشياً جداً وفائضاً جداً، وتزدري دور الصحافة "كسلطة" رقابية على السلطات الثلاث الأخرى –كما تزعم النظرية. ومن عوارض هذا الإهمال، بالإضافة إلى غياب برامج الإنقاذ المالي، هناك حرمان الصحافة مما سيجعلها مهمة وصالحة للتسويق والاستهلاك وجني العوائد: التأثير الملموس في قرارات صناع السياسات، وإبقاء الرأي العام مطلعاً؛ إنتاج المعلومة الصادقة والجديدة بغض النظر عن الطرف الذي تُعلِم عنه؛ التحدث باسم الناس وليس فقط باسم المؤسسة الرسمية، بحيث تكون الصحيفة منصة حوار في اتجاهين؛ تحصين الصحفي بحيث لا يخشى من تناول المهم والجوهري فيفقد ثقة جمهوره، ولا يعود لعمله صلة بالحياة اليومية للمواطنين. ويتعلق بذلك نوعية مسؤولي الصحف الذين ينبغي أن تكون لهم رؤى وشخصية.
لا يمكن أن تحل المواقع الإخبارية الألكترونية محل الصحف الورقية، حتى مع سوء أحوال هذه الصحف. هناك ضوابط وأطر تعمل بها الصحف الورقية برغم كل شيء، والتي لا تقبل نشر الشائعات أو التقارير غير المهنية أو مواد الإثارة أو المادة غير الموثقة. وهناك علاقة عاطفية لم تنفصم بعد بين الناس وبين ملمس الصحيفة وتقليد قراءتها مع فنجان القهوة الصباحي. كما أننا لم نصل بعد إلى قبول الناس بدفع رسوم للاطلاع على المحتوى الرقمي، بحيث يستطيع الموقع الإلكتروني تغطية تكاليف إنتاج مادة إعلامية محترفة.
إذا تحدثنا عن إصلاح، فلا إصلاح بلا معلومة صادقة ومستنيرة، وجمهور مطلع ومؤسسة رسمية مطلعة. ولن يتسنى ذلك بلا صحافة. أن يصحو المواطن فلا يجد صحفاً، فإن ذلك سيكون نذير شؤم على مستقبل أي بلد وشخصيته.