إلى أمي الكرامة في عيدها

تحتاج الاوطان الى الذاكرة الوطنية ويحتاج الانسان الى بناء ذاكرته بمناسبات النصر والفرح , وشاءت العبقرية الاردنية بكرامتها النبيلة ان نجتمع مع الام والوطن في يوم واحد , فكانت الكرامة نصرا لوطن وكانت الام يوما مُستداما في قلوبنا وعقولنا , فكان لقاء الوطن مع الام على قمة نصر سطّره ابطال القوات المسلحة الاردنية " الجيش العربي " مع ابطال المقاومة الفلسطينية ليكون اليوم الاردني قوميا بامتياز وهنا بالضبط تسكن عبقرية المكان والزمان على رقعة بحجم الورد لكن لا تلين .

نحتاج الى تجسيد لهذه العبقرية في وجدان الاجيال كما نحتاج تكريسها في سلوكنا وعقولنا نحن الذين عشنا اللحظة العظيمة على هذه الارض الطهور , فقد غافلنا وعيَنا واسقطنا اللحظة من ذاكرتنا خلال سنوات أمسك ابناء الخادمات بوعينا وصاروا حٌرّاسا للذاكرة , فنشروا البغضاء ثقافة في مزارعهم وعشاءاتهم المليئة ببيض البط واحشائه ممزوجة بعصير البرتقال , وكاد الزمن ان يعود الى سلوك الافندية والعزبة المصرية التي اضاعت قاهرة المُعز لدين الله .
عبقرية المكان تتجلّى هُنا , بالضبط هُنا , على ثرى وطن صغير لكنه احتوى اخفض بقعة في العالم واحتضن جبال الشراة السامقة , احتضن الغور سلة الغذاء واحتضن عجلون جنة الله على الارض وما بينهما من سهول وهضاب ووديان , فكانت الجغرافيا بهية الحضور في التاريخ وكاد ابناء الخادمات ان ينقلبوا على الجغرافيا كتاريخ ساكن ليجعلوا التاريخ جغرافيا جامدة بدل حقيقة ان التاريخ جغرافيا متحركة , فأنسونا في غفلة عبقرية المكان المبني على الضم والمفتوح على بهاء القدس والتحرير .
التاريخ فَعَل فعلته على هذه الجغرافيا بان احال الزمان مكانا واحال المكان زمانا , فصارت الام نصرا وصارت الكرامة أُمّا , وطريق القدس سالكة بهمة جنود الجباه السمراء وسواعد المقاتلين الاشداء , فظهرهم مسنود بالاردن وجُنده ووجههم يتسنّم بهاء القدس ودون هذه المعادلة فإن النصر بعيد والحلم كابوس يقُضّ المضاجع وهذا سبب بقاء الاردن عصيا على الاعداء , طرية ثراه كفؤاد لاحتضان القادمين الى حِماه من ظلم ومن حرب ومن بواقي ما تيسر من بغضاء .
على هذه الارض ما يستحق الحياة وما يستوجب العمل , ومنها يخرج الاتقياء والنساك ويخرج الادعياء , وفيها يصبح المعارض رمزا في حياته لا قبرا مجهولا , وفيها يكتب المعارض عن نُبل رأس السلطة لا بطشه , وفيها نختلف ونتفق , نتعارك ونتكاتف , نفترق على حبها ويجمعنا حياءٌ من سوء تكريم والدة معاذ , نعم اختلفنا فيها كثيرا واتفقنا فيها كثيرا ولكن ما اختلفنا يوما عليها فقد عشنا على ثابت نختلف فيها ولا نختلف عليها فهي امنا التي ارضعتنا حليب العزة بعد ان نهنها الليل على شباكه بانتظار فجر عودتنا من ليل الكرامة .
في الاردن كل الاشياء الكاملة وكل الجغرافيا النضرة وكل التاريخ البهي , في الاردن كرامة ومؤتة وعقبة وبحر ميت وسهل حوران وسيل الزرقاء وسيل حسبان , وفيها قلعة الربض والكرك وصلاح الدين وفيها شرحبيل وجعفر وفيها كل ما تشتهي العين ان تراه , لكنهم حاولوا ترميد اعيننا كي لا ترى ذلك كله ونبدأ من خصخصة وبيوعات الاجداد برسم رهن الاحفاد , فيها المدرقة والعصبة والثوب وبنطال الجينز وخمار الوجه والجلباب , في الاردن كل الاشياء , فيها ثورة وكرامة وعزة وحلم مع فلسطين على وعد اللقاء .
في الاردن شعب وملك وجيش تعاهدوا دوما على الوفاء , وفي الاردن مكان لمعارض ولمؤيد ولصامت فهي تحتضن كل الاتقياء , ولكنها تضيق بمن يحاول تفسير قلبها برطانة وقلة وفاء .