حلقة الإرهاب المفقودة


عشرات المؤتمرات الإقليمية والدولية التي عقدت لوضع استراتيجية مضادة للإرهاب والسعي للحد من تمدده الأخطبوطي عانت -وما تزال- من حلقة مفقودة، هي باختصار اختزال تجفيف مصادر الإرهاب في بُعد واحد، وهو اقتصادي سياسي بامتياز والحقيقة ان اخطر مصدر للإرهاب وثقافة العنف والتطرف بشكل عام تربوي ووثيق الصلة بالانماط السائدة من ثقافة فقدت بالتدريج بعدها الأخلاقي واصبحت رهينة لنظرية الواقعية التي تشكك في جدوى اية فكرة غير قابلة للصرف ميدانيا .
وتفسير ذلك ببساطة هو بلوغ الرأسمالية ذروة توحشها وافراز مفاهيم تبيح للبشر فعل كل شيء تحت مختلف الذرائع والأسماء، ما ضاعف من تهميش ملايين البشر ، وحين يقال ان البطالة والفقر هما من أهم دوافع التطرف فذلك ايضا تشخيص لا يخلو من خلل واختزال، لأن الجماعات المتطرفة تضم افرادا ليسوا فقراء .. وليسوا جهلة ايضا، ومنهم مُتخصصون في الكيمياء وفي علم النفس، المتخصصون في الكيمياء يترجمون خبراتهم وما تلقوه في بلدانهم الى متفجرات وأحزمة انتحارية، والمختصون في علم النفس يوجهون البوصلة الإعلامية وتُعهد اليهم صياغة بيانات وأخبار، وقد اضيف مؤخرا الى هؤلاء مصورون ومخرجون سينمائيون يتلاعبون بالمشاهد ويوظفونها لمضاعفة إثارة الرعب .
هكذا تعددت مصادر التطرف، ولم تعد سياسية أو اقتصادية فقط، ما يستدعي على الفور إعادة النظر في تلك المقاربات الناقصة والتي حذف منه قوس بالغ الخطورة نفسيا واجتماعيا ومعرفيا . إن مواجهة الإرهاب عنوان كبير وفضفاض لأنه يتضمن بالضرورة مواجهة الثالوث المزمن بأضلاعه التي تتشكل من: الفقر والجهل والقابلية للتضليل وغسل الأدمغة .
إذن هي عدة جبهات وليست جبهة واحدة، وإذا كانت الجيوش بأدواتها تواجه الإرهاب من زاويتها العسكرية المحددة، فإن النخب الثقافية والمشتغلين في العلوم الانسانية لهم حربهم وأدواتهم أيضا فأين هم ؟ وهل يكفي عقد ندوات موسمية والمراوحة حول عموميات متكررة ؟ أم أن ذلك مجرد إضاعة للوقت والجهد والمال ؟
لقد دخل الإرهاب الآن الى طور آخر وأصبحت له مكونات ونسيج واجندات تنضوي في سياق، لهذا فهو قابل للنمو والتمدد إذا لم تكن مواجهة شاملة، بدءا من دور التربية الوقائي الذي يحصّن الأجيال الناشئة من الوقوع في الكمائن والأفخاخ وليس انتهاء بالمعالجة النفسية فالمتطرف مريض، ويُصنّف سايكولوجيا في خانة الشواذ لأنه مصاب بعمى يحول دون رؤيته الموضوعية للآخر لأن الآخرين كلهم بالنسبة إليه أعداء ما لم يصبحوا على شاكلته !