ثرثرة على «دوّار الداخلية» * عريب الرنتاوي
نحن الآن نعرف حقيقة ما جرى على دوّار الداخلية...الحكومة تفضلت بشرح كل الملابسات والتفاصيل، الظاهر منها والمعلن...ما قاله رئيس الوزراء مقتضبا، مهدداً ومتوعداً، أسهب آخرون بشرحه مفصلاً...من لم يفهم القصة الكاملة على ألسنة الناطقين باسم الحكومة، عليه أن يتصفح «اليوتيوب» ليعرف بالضبط ما الذي حدث وكيف حدث...لا أنصح بزيارة مواقع الشباب والمعارضة، فهذه «قلة مشبوهة»...انصح بمشاهدة الأفلام المبثوثة لمن يسمون بـ»الموالاة» وفقاً للتعبير الدارج...هناك تتعرف على نوع التعبئة التي خضع لها هؤلاء...هناك تكتمل الصورة، وتصبح كاملة.
«فئة مشبوة»، أو «قلة قليلة»...حركتها جماعة الإخوان المسلمين، ذات «المواقف المزدوجة» و»الأجندات الخفية»...بطلب أو بالأحرى، بأوامر عليا، حطّت عليها من دمشق والقاهرة...وحتى لا يذهبنّ أحدٌ بعيداً في الاجتهاد، فإن جماعة الإخوان المسلمين في هاتين العاصمتين، هما المسؤولتان حصراً عن هذا «التدخل والتحريض الخارجيين»..لا اتهامات هذه المرة، لأنظمة هاتين الدولتين وأجهزتهما، كما جرت العادة في سنوات وعقود سابقة.
ولأن الأمر كذلك، فإن «الحزم» و»الحسم» و»الجدية» و»قطع الدابر» و»إسقاط مرامي» و»وأد الفتنة»، هي العبارات التي يجري استحضارها في وصف التعامل الحكومي مع «أحداث دوار الداخلية»، ما قبلها وما بعدها...وما أوجزته تصريحات المسؤولين هنا، فصّلته قبضات «البعض» وهرواتهم التي يلوّح بها في عنان الفضاء على «شبكة اليوتيوب»...وبين الروايتين، «الرسمية الموجزة»...و»البلطجية المفصّلة»، لكم أن تتخيلوا الإيحاءات والتلميحات والتصريحات المثقلة بالبذاءات والاتهامات لجزء أصيل من هذا الشعب، أسماه «بلطجية» بعض المواقع الالكترونية بـ»المتجنسين» ؟!.
والحقيقة أنني لم أتمالك نفسي من الضحك وأنا أستمع لكبار المسؤولين يحمّلون إخوان سوريا ومصر مسؤولية التحريض والتدخل وإعطاء الأوامر...أولاً : لأن ما يحصل في بلادنا شرفٌ لا يدعيه أي من هؤلاء...وثانياً: لأن اتهاماً كهذا، يعطي هذه القوى أحجاماً تفوق حجمها، وتأثيراً يفوق تأثيرها، سيما في هذه المرحلة التي تبدو فيها الجماعة، وبالذات في مصر وسوريا: في ذروة انهماكها، بداوخلها، دواخل الأوطان والجماعات على حد سواء....
على الفور، تذكرت حكايتين شبيهتين: الأولى صدرت عن دمشق، قبل بضعة أيام فقط، عندما اتهم «المسؤول السوري» عصابة مسلحة قَدِمت من الأردن بإثارة أحداث درعا، من دون أن يوضح لنا لاحقاً من أين جاءت بقية العصابات المسلحة التي فجّرت الموقف في دمشق وحمص وحماة واللاذقية والصنمين وغيرها من مدن سوريا وقراها...والحكاية الثانية وقعت قبل اربع سنوات تقريباً، زمن حكومة الدكتور البخيت الأولى، عندما قيل لنا بأن خلية من حماس، جاءت إلى الأردن بتكليف من قيادة الحركة، لضرب السياحة في الأردن والاعتداء على شخصيات أردنية مسيحية....في الحالتين كانت الرواية ركيكة ومتعلثمة، تماماً كما هي الحكاية المتداولة هذه الأيام.
والطريف في الأمر، أن كل الأنظمة والحكومات التي شهدت دولها ومجتمعاتها حراكاً انتفاضياً واسعاً، كانت تبدأ «روايتها للحدث» بـ»تحقير» القائمين عليه و»شيطنتهم» والبرهنة على أنهم «قلة أو شرذمة» قليلة...كلهم من دون استثناء فعلوا ذلك قبل أن ينتقلوا إلى اتهام الخارج بالمسؤولية، والخارج هنا يتراوح ما بين القاعدة (ليبيا واليمن) وحزب الله (البحرين) وإيران (مصر، اليمن والبحرين) وإسرائيل والغرب (ليبيا واليمن)، وها نحن الآن ننفرد بـ»خارج» آخر، إنها جماعة الإخوان المسلمين في مصر وسوريا.
لا يريد «المسؤول» أن يعترف بأن ثمة أسبابا محلية عميقة، كافية لا لإخراج الناس في حركات احتجاجية، بل وفي إشعال ثورات وانتفاضات في جميع دولنا العربية ومن دون استثناء...لذلك يجري البحث دائماً عن «خارج» تعلّق على شمّاعاته، كل أوزار الفشل والفساد والاستبداد....لا يريد المسؤول أن يعترف بأنه الشعب يريد التغيير والإصلاح، فيلجأ إلى «نظرية المؤامرة» و»فزّاعة الخارج» لتفسير ما هو غني عن التفسير والشرح والتوضيح.
ما حصل في دوّار الداخلية، وما رافقه وصاحبه وأعقبه من خطاب سياسي، رسمي معلن وآخر مبثوث على ألسنة «البلطجية» في الساحات وعلى الانترنت، هو انقلاب على الحوار والانفتاح والإصلاح...هو انقلاب على رسالة الملك للحكومة التي أسميناها كتاب تكليف ثانٍ......ولا أحسب أن مفاعيل ما حدث ستتوقف هنا، حمى الله الأردن من كل مكروه
«فئة مشبوة»، أو «قلة قليلة»...حركتها جماعة الإخوان المسلمين، ذات «المواقف المزدوجة» و»الأجندات الخفية»...بطلب أو بالأحرى، بأوامر عليا، حطّت عليها من دمشق والقاهرة...وحتى لا يذهبنّ أحدٌ بعيداً في الاجتهاد، فإن جماعة الإخوان المسلمين في هاتين العاصمتين، هما المسؤولتان حصراً عن هذا «التدخل والتحريض الخارجيين»..لا اتهامات هذه المرة، لأنظمة هاتين الدولتين وأجهزتهما، كما جرت العادة في سنوات وعقود سابقة.
ولأن الأمر كذلك، فإن «الحزم» و»الحسم» و»الجدية» و»قطع الدابر» و»إسقاط مرامي» و»وأد الفتنة»، هي العبارات التي يجري استحضارها في وصف التعامل الحكومي مع «أحداث دوار الداخلية»، ما قبلها وما بعدها...وما أوجزته تصريحات المسؤولين هنا، فصّلته قبضات «البعض» وهرواتهم التي يلوّح بها في عنان الفضاء على «شبكة اليوتيوب»...وبين الروايتين، «الرسمية الموجزة»...و»البلطجية المفصّلة»، لكم أن تتخيلوا الإيحاءات والتلميحات والتصريحات المثقلة بالبذاءات والاتهامات لجزء أصيل من هذا الشعب، أسماه «بلطجية» بعض المواقع الالكترونية بـ»المتجنسين» ؟!.
والحقيقة أنني لم أتمالك نفسي من الضحك وأنا أستمع لكبار المسؤولين يحمّلون إخوان سوريا ومصر مسؤولية التحريض والتدخل وإعطاء الأوامر...أولاً : لأن ما يحصل في بلادنا شرفٌ لا يدعيه أي من هؤلاء...وثانياً: لأن اتهاماً كهذا، يعطي هذه القوى أحجاماً تفوق حجمها، وتأثيراً يفوق تأثيرها، سيما في هذه المرحلة التي تبدو فيها الجماعة، وبالذات في مصر وسوريا: في ذروة انهماكها، بداوخلها، دواخل الأوطان والجماعات على حد سواء....
على الفور، تذكرت حكايتين شبيهتين: الأولى صدرت عن دمشق، قبل بضعة أيام فقط، عندما اتهم «المسؤول السوري» عصابة مسلحة قَدِمت من الأردن بإثارة أحداث درعا، من دون أن يوضح لنا لاحقاً من أين جاءت بقية العصابات المسلحة التي فجّرت الموقف في دمشق وحمص وحماة واللاذقية والصنمين وغيرها من مدن سوريا وقراها...والحكاية الثانية وقعت قبل اربع سنوات تقريباً، زمن حكومة الدكتور البخيت الأولى، عندما قيل لنا بأن خلية من حماس، جاءت إلى الأردن بتكليف من قيادة الحركة، لضرب السياحة في الأردن والاعتداء على شخصيات أردنية مسيحية....في الحالتين كانت الرواية ركيكة ومتعلثمة، تماماً كما هي الحكاية المتداولة هذه الأيام.
والطريف في الأمر، أن كل الأنظمة والحكومات التي شهدت دولها ومجتمعاتها حراكاً انتفاضياً واسعاً، كانت تبدأ «روايتها للحدث» بـ»تحقير» القائمين عليه و»شيطنتهم» والبرهنة على أنهم «قلة أو شرذمة» قليلة...كلهم من دون استثناء فعلوا ذلك قبل أن ينتقلوا إلى اتهام الخارج بالمسؤولية، والخارج هنا يتراوح ما بين القاعدة (ليبيا واليمن) وحزب الله (البحرين) وإيران (مصر، اليمن والبحرين) وإسرائيل والغرب (ليبيا واليمن)، وها نحن الآن ننفرد بـ»خارج» آخر، إنها جماعة الإخوان المسلمين في مصر وسوريا.
لا يريد «المسؤول» أن يعترف بأن ثمة أسبابا محلية عميقة، كافية لا لإخراج الناس في حركات احتجاجية، بل وفي إشعال ثورات وانتفاضات في جميع دولنا العربية ومن دون استثناء...لذلك يجري البحث دائماً عن «خارج» تعلّق على شمّاعاته، كل أوزار الفشل والفساد والاستبداد....لا يريد المسؤول أن يعترف بأنه الشعب يريد التغيير والإصلاح، فيلجأ إلى «نظرية المؤامرة» و»فزّاعة الخارج» لتفسير ما هو غني عن التفسير والشرح والتوضيح.
ما حصل في دوّار الداخلية، وما رافقه وصاحبه وأعقبه من خطاب سياسي، رسمي معلن وآخر مبثوث على ألسنة «البلطجية» في الساحات وعلى الانترنت، هو انقلاب على الحوار والانفتاح والإصلاح...هو انقلاب على رسالة الملك للحكومة التي أسميناها كتاب تكليف ثانٍ......ولا أحسب أن مفاعيل ما حدث ستتوقف هنا، حمى الله الأردن من كل مكروه