ثمن المطالب الإصلاحية


حتى اللحظة الأخيرة راهنت على ذكاء عقل الدولة، وظللت أردد في نفسي "لا أظن أنهم سيعتدون على معتصمي 24 آذار" لحرصهم أولا وأخيرا على صورة الأردن في الداخل والخارج.

ولم تمض 48 ساعة حتى خسرت الرهان مع أول هراوة نزلت على رؤوس المعتصمين، حينما خلعت الجهات الرسمية ثوب رقيها، واستبدلت عصيرها ومياهها بهراوات وحجارة، ما فجرعنفا طاول مواطنين أردنيين لا ذنب لهم إلا المجاهرة بمطالبهم الإصلاحية.

العنف الذي دار في دوار الداخلية بين طرفين متضادين، كان مشهدا مقلقا، حيث لم تقف الأجهزة الأمنية على الحياد بل اصطفت مع طرف دون الآخر، بعد أن تخلت عن دورها الطبيعي في حماية المواطنين.

ما يضاعف سوء الحالة ما بثته بعض الجهات من أفكار ومعلومات مسمومة بين الناس سعت من خلالها إلى تقسيم العرب عربين لتنفرد هي كالعادة بالسلطة والقرار، مسقطة من حساباتها تأثير ذلك على الأردن وسمعته.

ما حدث يوم الجمعة لم يكن كما حاولت الجهات الرسمية أن تصوره، وكأنه صراع قائم على الأصول والمنابت والتي عمدت إلى تقسيم المجتمع وسعت لتفريقه على قاعدة فرق تسد، لإيقاع فتنة حقيقية تهدم كل ما بنيناه في ماضي الأيام.

يوم الجمعة الحزين عبر عن صراع بين القوى الإصلاحية التي تحلم بأردن حضاري متطور يقوم على دولة المؤسسات والقانون ويحترم حقوق الإنسان، وبين فريق آخر آثر أن يظل حبيس وضعه الراهن رغم ما يكتنفه من عيوب.

ويبدو أن عقل الدولة كان في أضعف حالاته حينما قررت مهاجمة شباب وطنيين عبروا عن أفكار تقدمية، وأقاموا اعتصامهم السلمي في سبيل عرض رؤيتهم.

الاصلاحيون كانوا شبابا وصبايا بعمر الورد، يحملون أحلامهم على أكتافهم ويأملون بمستقبل أفضل، إلا أن نداءهم لم يطل بعد أن قرر المفكرون من صناع القرار أن يحطموا آمالهم بجعلهم يصطدمون بصخرة الواقع الأليم.

شباب 24 آذار جمعهم حبهم للأردن وحرصهم عليه، وكانوا أنموذجا للأردن الليبرالي الذي نحلم به، بعدما وحدهم الهدف بعيدا عن خلفياتهم السياسية، ورموا معتقداتهم وهتفوا صوتا واحدا للأردن وإصلاحه وعلا صوتهم ضد الفاسدين.

سقف مطالبات الشباب لم يخترق حاجزا جديدا، وكل ما أرادوه تردد لمرات ومرات، في السر والعلن، وتجربتهم القاسية يوم الجمعة أسست لحالة جديدة من الوعي ليسطروا نهجا جديدا في التفكير ويضعوا أسسا جديدة للتعامل مع ملف الإصلاح.

خطورة ما حدث أنه قتل القناعة لدى الناس بجدية نوايا الإصلاح، إذ كيف يستوي أن يقر قانون الاجتماعات العامة يوم الأربعاء وتخترق السلطات بنوده بعد يومين فقط، بعدما عاقبت الناس على حرية التعبير بطريقة قاسية.

العقل الذي اتخذ قرار الجمعة لم يدرك بعد حالة الاحتقان الشعبي الصعبة التي بلغها المجتمع، ولم يعلم تبعات قراره، وكأنه لم يستفد من تجارب دول أخرى سعت لقمع المعتصمين، فما كان منهم إلا أن ضُربوا هنا وخرجوا مصرين على مطالبهم في مكان آخر.

ولم يراع متخذ القرار أن لغة التشكيك بالآخر لم تعد تجدي، وأن "بعبع" الإسلاميين لم يعد يخيف الشارع فهذه العلاقة وتفسيرها لم تعد تقنع أحدا.

مصلحة الأردن ومواطنيه تتطلب وقفة لمحاسبة من اتخذ مثل هذا القرار، فضحاياه لم يقتصروا على بيت عزاء ومئات الجرحى، بل مستقبل البلد.

jumana.ghunaimat@alghad.jo

 

جمانة غنيمات