ملحمة الحوار على الدوّار
حدث في دوار الداخلية مؤسف للغاية ولم يكن مبررا، وكان بالإمكان معالجة الأمر بطريقة أبسط بدل هذا الاستعراض المأساوي للقمع.
بافتراض أن المكان الضيق ليس أكثر من تقاطع مروري حيوي جدا لا يجوز استخدامه للاعتصام الدائم، كان يمكن أن تأتي الشرطة قبل طلوع الفجر بعدد كاف لاجبار المعتصمين، وسيكونون قلّة، على إخلاء المكان والذهاب الى أي ساحة أو مكان عام أكثر اتساعا.
ما حدث سيكون له تبعات سيئة؛ فهناك تعبئة متقابلة سوف تتصاعد وتصنع انقساما اجتماعيا على خلفية اقليمية، وهذه هي الوصفة للتدهور في حياة المجتمع ولإجهاض مشروع الإصلاح. هذا مع أن الإصلاح بالأساس هو مصلحة للجميع وهو موضع إجماع. وجاءت الدعوة الى التجمع الضخم في حدائق الحسين (نداء وطن) تحت شعارات الإصلاح، وقد تفاءلت بالشعارات واللغة الراقية لخطاب الدعوة، لكن من الواضح أن من صنع الحملة الإعلامية في واد ( ربما تكون شركة علاقات عامّة محترفة) ومن قاد الشباب أو بعضهم من هناك إلى دوار الداخلية في واد آخر.
انعكست أحداث الدوار على لجنة الحوار المترنحة فأطاحتها بالضربة القاضية، ولا يضير دولة الرئيس طاهر المصري انهيار اللجنة ولا يسجل عليه فشلها، فهو عمل كل ما يلزم لكي تنجح بما في ذلك إدراج الإصلاحات الدستورية على جدول أعمالها، لكن عضوية اللجنة تحولت إلى أداة لتسجيل النقاط والمناورة في اللعبة السياسية، وكنّا حذرنا مبكرا وقبل تشكيلها أن صيغة اللجنة ليست الأفضل وستفتح قضية العضوية فيها نزاعا بتحولها الى القضية الأساسية.
إننا نقدر ونحترم قرار 15 عضوا وأكثر تقديم استقالاتهم احتجاجا على أحداث دوار الداخلية، واستعراض الأسماء يبين على كل حال كم ان اللجنة تحتوي على تنويع متوازن يمتد الى أكثر الاتجاهات راديكالية. لكن واقع الحال أن اللجنة كانت صيغة في غاية الهشاشة تحت تأثير الحدث السياسي اليومي. والآن كما يقال فإن إكرام الميت دفنه ونطلب الانتقال الى آلية أجدى وأكثر عملية.
أرى أن يستمر رئيس مجلس الأمّة ومعه رئيس مجلس النواب مباشرة بإدارة الحوار الوطني مع مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية، وتلقي اقتراحات محددة من كل جهة وفتح حوار بحضور من يرغب حولها. وفي النهاية بلورة بدائل توافقية مقترحة على أن يتمّ هذا العمل خلال شهرين وحتّى افتتاح الدورة الاستثنائية القادمة لمجلس النواب، والتي يجب أن يدرج على جدول أعمالها ثلاثة مشاريع قوانين ناظمة للعمل السياسي والمشاركة وهي الانتخابات والأحزاب واللامركزية، إضافة إلى قانون البلديات الذي تعكف الحكومة الآن على دراسته.