عن روح 24 آذار... محمد ابو رمان


اخبار البلد- هل يدرك معروف البخيت أنّه وقّع على مصير حكومته، عملياً، في أحداث الجمعة، وأنّه وقع في "الفخ" نفسه، أم أنّه سيكتشف ذلك لاحقاً؟! فهو من سلّم نفسه سابقاً ولاحقاً لرهانات فاشلة، وحكم على نفسه بالانتحار السياسي، وبصورة قاتمة في الذاكرة الشعبية.

الأكثر غرابة أنّه عاد ليتورّط في استخدام اللغة نفسها والمصطلحات ذاتها لتبرير الأحداث المأساوية التي وقعت في ميدان جمال عبد الناصر، والقفز فوراً لاتهام جماعة الإخوان بما حدث وبتلقي الأوامر من الخارج!

تصريحات البخيت كانت تعكس، في الحقيقة، "التخويف" المبالغ فيه من قبل المؤسسة الرسمية من الاعتصام المفتوح في ميدان جمال عبد الناصر، ما ولّد "أجواءً مستفَزّة" بصورة غير مسبوقة في الأوساط الرسمية، انعكست من خلال تعبئة محمومة ضد المعارضة، وتحديداً جماعة الإخوان، التي كان شبابها فاعلاً، ليس وحيداً، بالاعتصام، مع قوى يسارية وقومية أخرى.

المفارقة أنّ الأجواء في اعتصام 24 آذار كانت مختلفة تماماً، بغض الطرف عن بعض الشعارات غير المألوفة، فقد هتف الجميع للأردن والوطن والملك، وكانت الأغاني الشعبية الأردنية تتردد في أصدائه، وشباب من مختلف المحافظات والمناطق يتلاحمون معاً في الدعوة إلى الإصلاح السياسي، وكان حرص المعتصمين على "الطابع السلمي" كبيراً، ولم يتم التفكير بإغلاق الميدان أو تعطيل حركة المرور.

وبالمناسبة، لم يكن سقف مطالبات الاعتصام مغايراً للسقف في لجنة الحوار الوطني (قبل الاستقالات الجماعية)، فالكل متفق على إطلاق الحريات العامة، وقانون انتخاب يؤدي إلى حكومة برلمانية، وتحرير الحياة السياسية من القيود الأخرى.

الفجوة كانت سطحية وشكلية، ويمكن تجاوزها، وكذلك إرضاء الشباب المتحمّس للإصلاح والمندفع لرؤية حياة سياسية جديدة، ولم تكن هنالك مخاطر ولا أخطار حقيقية، إذ كان يمكن احتواء الموقف طالما أنّ الجميع متفق على القواعد الأساسية.

ما حدث هو العكس تماماً، وقد حكم الموقف منطق الصراع مع جماعة الإخوان المسلمين، وتمّ استخدام اللعبة التقليدية ذاتها، والنتيجة، كالعادة، أنّنا سندفع – جميعاً- كلفة ذلك أضعافاً مضاعفة عاجلاً وآجلاً.

الكلفة الكبرى بدأنا ندفعها الآن بالفعل، وهي النتيجة الطبيعية لحجم التحريض والتعبئة العبثية والعدمية التي حدثت خلال اليومين السابقين، وقد ظهرت جميعها بهتافات "البلطجية"، فضلاً عن الشتائم البذيئة والعنصرية.

خلال الأشهر الأخيرة ركّزنا على أهمية "الاشتباك مع الهواجس" وضرورة أن نخرج جميعاً من "المساحات الرمادية"، وأن تقود الدولة المبادرة إلى "مفاهيم وطنية" جامعة، وهي التي تشكّل ضمانة حقيقية للأمن الاجتماعي، وخروجاً من الأزمة السياسية الخانقة، وتأمين طريق الإصلاح السياسي. لكن ما حدث هو نقيض ذلك تماماً، ما يجرّ البلاد إلى تأجيج المخاوف والهواجس المتبادلة، وتجذيرها، وتوظيفها المعتاد لمواجهة الحراك السياسي الشعبي.

ليس مهماً ولا يعني شيئاً وجود أكثر من وجهة نظر في مراكز القرار واختلافات حول التعامل مع التطورات والحراك السياسي الجاري، فالنتيجة الوحيدة هي المأساة التي وقعت في ميدان جمال عبدالناصر، وما يتلوها من تداعيات مرعبة على الصعيد الاجتماعي، وتجذير للأزمة والتناقضات على المستوى السياسي.

التعامل مع روح 24 آذار كان كارثياً ومؤلماً لنا جميعاً، فقد كانت تلك الروح الوطنية الجامعة تؤذن بتجاوز الخطابات اليمينية الاحترابية والاجتماع على الجوامع الوطنية، ما يشكّل ركيزة لإصلاح سياسي آمن!