التعايش والمواطنة لا التسامح

يشيع هذه الأيام مصطلح ليس جديداً، يطالب أصحابُه بأن "يتسامح" أهل طائفة أو إقليم أو دين أو عرق مع أهل طائفة أو إقليم أو دين أو عرق آخر، يعيشان في البلد الواحد. ويتبنى خطابٌ إصلاحيّ الدعوةَ إلى "التسامح" مع الأقباط مثلاً في مصر العربية، أو بين السُنّة والشيعة، أو بين الأكراد والعرب، في أوطان تطغى فيها أغلبية سُنيّة أو عربية. وهي دعوة نبيلة في جوهرها، لولا أنّ المصطلح نفسه محشوٌ بدلالات تشير إلى علوّ فئة على فئة تتفضّل الأولى على الثانية بالسماح والعفو، أي أنّ المصطلح يفترضُ بالفئة التي مقامها في واقع الحال أدنى، الإساءة والافتراء على الفئة "الأعلى" ومع ذلك فالأخيرة تعفو وتتسامح!
في لسان العرب تأتي كلمة "تسامح" من "سمح سماحاً وسماحةً" أي جاد، وتسامح أي تساهل في الضرابِ والقتال، أو أذِن، أو استجاب لطلب. ولم تأخذ الكلمة معناها السياسيّ إلا بعد أن عرفت المجتمعاتُ العربية أقلياتٍ ومجموعات اضطهدتها أو ظلمتها الأغلبية العربية أو السُنيّة أو المسلمة، مقابل أكراد وأمازيغ ونصارى ويهود ونوبة وشيعة. وبعدئذ صارت الأغلبية تُطالَب بـ"التسامح"، مما يعني أن تكفّ عن إيذاء الأقليات العدديّة، والجود عليها بالأمان. وهو معنى، مهما قلَّبناهُ لا يتضمّن من قريب أو بعيد معنى المساواة في الأوطان، بل دائماً هناك كريمٌ يُطلَب إليه أن يمنح، ومتلقٍّ يأخذ. فأين التساوي بين هذا وذاك؟ وإذا كان أن ليس لأحد أن يتساهل مع أحد أو يتكارم إلا في حقٍّ شخصيّ، حيث أمام القضاء لصاحب قضيّة أن يتسامح مع خصمه، فيتنازل له، فإنَّ ساحة التسامح الوحيدة هي الخصومة، مما يجعل الدعوة إلى التسامح دعوة مشبوهة بمعانٍ قبيحة منها حيازةُ أغلبية لحقوق لا تملكها أقليّة، والتأكيد على هذه الحقوق، مع الاتهام الضمني للأقليات بإيذاء الأغلبيّة، هذا الإيذاء الذي يتمثّل في مجرّد وجودها في الوطن الواحد ومزاحمتها فيه!
فلتكن الدعوةُ إلى "التعايش" حيث لا فضلَ في هذا المصطلح لعربيّ على أعجميّ أو شيعيّ أو مسيحيّ إلا بالخلُقِ وحسن المواطنة مع المساواة مطلقةً.
دعونا نتمسّك بالأمل...!