هل يجلس نتنياهو في مقاعد المعارضة.. أم يعتزل؟

دقيقة واحدة.. بعد العاشرة من مساء اليوم (عند اغلاق الصناديق)، تُذاع نتائج «العيّنة التلفزيونية» التي تقوم برصدها مراكز استطلاعات وابحاث احصائية، لمعرفة مؤشرات التصويت وحظوظ القوائم المتنافسة والتي غالباً ما تكون أقرب الى واقع الصناديق (طبعاً بهامش خطأ إحصائي مقبول ومتعارف عليه)، أما عند الثالثة فجر غد الاربعاء، فإن النتائج النهائية تكون قد أُعلنت، وما سيغير منها (ولكن على نحو غير دراماتيكي)، هي اتفاقات «فائض الاصوات» التي تتم بين القوائم المتنافسة قبل الاقتراع، والتي تُحسِن من وضع أحزاب ما، بل هي تُرَجِح - في بعض الاحيان - حظوظ «كتل» معينة، بمعنى انها قد تمنح كتلة يسار الوسط الفرصة لتشكيل الحكومة الجديدة او تُجيّرُ تلك الاصوات لصالح كتلة اليمين والحريديم.

السابع عشر من اذار 2015، لن يكون كذلك التاريخ من ايار 1977 الذي وُصِفَ بـِ»الانقلاب» عندما استطاع إئتلاف «التكتل» الحزبي (الليكود بالعبري، قبل ان يُصبح حزباً يضم كل حركات اليمين الفاشي الصهيوني)، لأن الليكود لن يخرج من الصورة وسيبقى رقماً صعباً في المعادلة الاسرائيلية، بعد ان استطاع ان يُكرّس نفسه في هذه «الوضعية» منذ نحو من 38 عاماً، لم يخرج من الحكم إلاّ سنوات معدودات، وبقي قوياً حتى عندما جلس في مقاعد المعارضة، ولم يتعرض لانتكاسة حقيقية إلاّ في رئاسة نتنياهو، بعد ان إنشّق ارئيل شارون عن الحزب وقام بتشكيل حزب جديد اطلق عليه اسم «كاديما» حصد معظم مقاعد الليكود وأبقى للاخير «12» مقعداً فقط، ثم نجح نتنياهو في الإبقاء على هيكلية الحزب وقام بترميمه على نحو مَكّنه لاحقاً من التنافس على المرتبة الاولى أمام «كاديما» تسيبي ليفني، ولم ينجح في الفوز بالمرتبة الاولى، لكنه - ورغم ذلك - شَكّل الحكومة بعد ان استطاع تشكيل إئتلاف يميني - حريدي، رفضت تسيبي ليفني (ولها 28 مقعداً فيما لنتنياهو 27)، الرضوخ لمطالب الاحزاب الحريدية.
ما علينا..
لن يندثر الليكود اليوم، ولن تتصدع بُناه التنظيمية وسيجد كثيرون انفسهم في موضع المنافسة لخلافة نتنياهو (إذا ما استقال)، أو إطاحَتِه، اذا ما أخفق في المنافسة المحتدمة مع المعسكر الصهيوني الذي يقوده اسحق هيرتسوغ (العمل)، وتسيبي ليفني (الحركة او هتنوعاه)، ما قد يحول دونه (نتنياهو) وتوفير كتلة وازنة، تُرشّحه لدى رئيس الدولة، الامر الذي «قد» يسمح لهيرتسوغ بأن يقود ائتلافاً حكومياً من يسار الوسط لكنه - وهذا هو المهم - سيستند الى دعم القائمة العربية المشتركة، ولكن من خارج الائتلاف, حيث حسمت اطراف القائمة العربية خياراتها، وقالت: انها لن تشارك في اي ائتلاف أو تدعمه, لكنها ابدت «مرونة» ازاء «المعسكر الصهيوني» اذا ما طرح برنامجاً إئتلافياً مقبولاً عليها, سواء في ما خص حقوق المواطنين العرب داخل الخط الاخضر والحد أو التخفيف من التمييز الممارس ضدهم أم في شأن «عملية السلام» وقيام الدولة الفلسطينية..
هل سيخرج نتنياهو من المشهد؟
آخر الاستطلاعات قبل يوم الصمت الانتخابي, تشير الى ان المعسكر الصهيوني يتقدم في عدد المقاعد على الليكود بأربعة مقاعد على الاقل, وهذا هو سر الغضب الذي استبد بنتنياهو وجعله يخرج عن طوره مستخدماً لغة هستيرية، حداً وصل به الى اتهام دول وهيئات خارجية, بما فيها الدول الاسكندنافية, بتمويل حملة ضده, وهو امر لم تعهده اسرائيل من قبل.
وايضاً ثمة قناعة لدى اوساط يمينية، بأن نتنياهو لم يعد ذلك «الساحر» الذي يُمكنه مواصلة ألاعيبه واستخدام خطابه التحريضي والعزف على «صهيونية» الوالد او ايديولوجيا جابوتنسكي الاب الروحي لليمين الفاشي الصهيوني, ما زاد من غضب كوادر الليكود وقياداته عليه, في الوقت ذاته الذي تراجعت فيه حظوظ حُلفائه, من اليمين الديني واليمين الاستيطاني والعنصري، حيث ليبرمان (اسرائيل بيتنا) يتراجع الى حدود المقاعد الستة فيما شاس (درعي) لن يحصل الا على سبعة مقاعد والوحيد الذي يتقدم هو نفتالي بينيت زعيم البيت اليهودي (الاستيطاني) وهو حليف طبيعي لنتنياهو، أما موشيه كحلون (المطرود من الليكود) والذي يخوض الانتخابات تحت يافطة حزبه الجديدد (كُولانا أو كُلّنا) فالاستطلاعات تمنحه سبعة - تسعة مقاعد واحتمالات انضمامه الى حكومة يمين - حريدي تتصاعد, رغم ان نتنياهو بل زوجته سارة هما اللذين «طرداه» من الليكود.
الى أين من هنا؟
لن يكون مفاجئاً ان يخسر نتنياهو مكانته وموقعه، وأن تتعالى الاصوات المطالبة باستقالته داخل الليكود، أو قيام حركة احتجاج داخلية تدفعه لاعتزال الحياة السياسية، لكن المفاجأة الحقيقية ستكون ليس فقط اذا فاز مجدداً (وهنا تنهار كل التحليلات والقراءات وتخيب التوقعات) ولكن اذا ما حققت القائمة العربية المشتركة (15) مقعداً، وحلّت في المرتبة الثالثة ما قد يؤهلها لان تقود المعارضة «رسمياً» إذا ما شكّل الليكود والمعسكر الصهيوني «حكومة وحدة وطنية»، وهذا سيكون انقلاباً حقيقياً، قد يُعيد لفلسطينيي 1948، ثقتهم بقدرتهم على الالتقاء على القواسم والمشتركات (وهي كثيرة) مرة اخرى، وعدم تَعرّض القائمة (بعد الانتخابات) للانشقاق والتصدع وتراشق الاتهامات.