خيارات السعودية في اليمن

لم يكن مفاجئا الإعلان عن تشكيل أكبر تكتل للقوى السياسية في اليمن منذ اندلاع الثورة تحت اسم «التكتل الوطني للإنقاذ»، ويضم سبعة من أبرز الأحزاب السياسية و12 تحالفا قبليا و11 حركة شبابية وثورية و16 منظمة ونقابة وخمسة كيانات من قوى الحراك الجنوبي السلمي، بهدف التصدي لمليشيا الحوثيين التي تسيطر على العاصمة، وسعيا لاستعادة سلطة الدولة اليمنية وإعادة بناء قوات الأمن.
التكتل الجديد الذي يحظى بدعم إقليمي وأممي جاء بعد أن استنفذ أصحاب العلاقة الفرص كافة وآخرها نقل الحوار من العاصمة صنعاء التي تخضع لسيطرة الحوثيين إلى الرياض تلبية لطلب الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي، لإعادة استقرار بلد يتجه نحو حرب أهلية.
رغم ذلك أبقت السعودية المعنية بموضوع اليمن أكثر من غيرها عدة خيارات في التعامل مع الملف اليمني من بينها الضغط على الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي تمت تنحيته بموجب المبادرة الخليجية والذي لا يزال موجودا في اليمن رئيسا للمؤتمر الشعبي العام وناشطا سياسيا، له تحالفاته داخل المؤسسة الأمنية للدولة وخارجها. ويهدف الضغط إلى فك تحالف صالح بالحوثيين والذي سمح لهم بالسيطرة على العاصمة والتمدد في مساحات يمنية واسعة.
الخيار الثاني مواصلة الضغط على الحوثيين الذين لم يعودوا يملكون أيا من القواعد الشعبية خارج دائرة أتباعهم بسبب اعتمادهم بالدرجة الأولى على قوة السلاح في فرض سيطرتهم وآرائهم المنفردة. ويبدو أن الرياض تواصل الحشد الإقليمي والدولي انطلاقا من دول الجوار و»التعاون الخليجي» ومجلس الأمن لإعادة اليمن إلى ما كان عليه قبل الانقلاب تجنبا لحرب أهلية ما زالت تقف على الأبواب والتي قد تصبح نتيجة وشيكة الوقوع في حال استمر الانقلاب الحوثي على الدولة ومؤسساتها.
في نفس الوقت يمكن أن يكون تشكيل التكتل الوطني الجديد المحطة الأخيرة، وبخاصة أنه يجمع القوى السياسية كافة ضد ممارسات الحوثيين الذين بدؤوا بتفكيك الدولة في حالة انزلاق غير مسبوقة نحو الفوضى، ولا يستبعد أن يتلقى التكتل الدعم العسكري بعد السياسي لإحداث توازن ميداني على الأرض يفضي في النهاية إلى عزل ما تبقى من جماعة ضربت بعرض الحائط المواثيق والقوانين الدولية، واستولت على السلطة بالقوة في تحالف خفي قبل أن يصبح مكشوفا مع المعزول صالح الذي يسعى لتوريث نجله بأي طريقة، وبدعم من أطراف خارجية تسعى لبسط نفوذها.
ولأن ملف اليمن سلسلة من ملفات عديدة في المنطقة، فإن السعودية معنية بحلحلة الوضع هناك لكي لا يشكل اليمن عبئا على المنطقة ومعبرا للهيمنة الخارجية، إضافة إلى أعباء فرضتها ملفات العراق وسوريا ولبنان. وقد أثار توقيع طهران اتفاقا مع الحوثيين قبل أيام لتوسيع ميناء الحديدة وتطويره قلق السعودية وأطراف أخرى، نظرا لما يشكله ذلك من تهديد للملاحة عبر باب المندب، كما أن الإعلان عن زيادة عدد الرحلات الجوية بين إيران واليمن ضاعف حجم المخاوف من علاقة الحوثيين بإيران.
لطالما استبعدت دول الخليج الخيار العسكري في اليمن بدليل المبادرة التي أطلقتها وأفضت إلى عزل صالح وضمان عدم محاسبته بعد ضغط شعبي وثورة كانت مهمة في موجة الربيع العربي، في نفس الوقت يبدو أن إبقاء الحال على ما هو عليه حاليا لم يعد مقبولا من قبل السعودية وأطراف أخرى ترى أن الخيار العسكري ربما أصبح أمرا اضطراريا لا مفر منه على قاعدة «آخر العلاج الكي».
يرجح أن تعتمد استراتيجية السعودية للتعامل مع الملف اليمني عدة خيارات بالتوازي، حيث لا تتعارض مع بعضها البعض، صحيح أنها توشك على فقدان الثقة تماما بعلي عبدالله صالح لكنها ستواصل الضغط عليه لإبعاده عن الحوثيين، كما ستواصل الضغط إقليميا ودوليا لدعم الرئيس المنتخب ولعزل الحوثيين سياسيا، وفي ذات الوقت يرجّج أن تدعم التكتل الوطني واسع التمثيل للأطياف الوطنية بكافة أشكال الدعم كي يتمكن من مواجهة سيطرة الحوثيين وتمددهم.. فهل تنجح هذه الاستراتيجية متعددة المسارات والخيارات في مواجهة التحدي؟