الحكومة والصحافة

درجنا في الفترات الأخيرة على سماع عبارة "أزمة الصحف الورقية" للدلالة على ما تعاني منه صحيفتا الدستور والرأي المحليتان، جراء الخسائر التي تكبدتاهما لأسباب مختلفة، وما نتج عن ذلك من أجواء نفسية سلبية انعكست على الزملاء المحبين لمهنتهم ومؤسساتهم، والقلقين على مستقبلهم الوظيفي.
يريد البعض من مسؤولي الحكومة أن يجعلوا الأرقام هي المعيار الوحيد لتكوين الانطباعات، ويقولون إن الحكومة لا تستطيع أن تقدم الدعم. والأرقام معيار صحيح، لكن لا بد من النظر إلى الأهمية العملية والعاطفية لهذه المؤسسات الوطنية، والبحث عن حلول واقعية وخطط وبرامج تساعد في قيادة تلك المؤسسات إلى بر الأمان.
قد يجد صانع القرار المحلي بعض الحلول، لو أنه تأمل لبرهة كيفية إدارة موطن الرأسمالية، الولايات المتحدة الأميركية، للأزمة المالية العالمية في 2008. وقد عمدت الحكومة هناك إلى شراء بعض الأصول في إطار خطتها لإنقاذ المؤسسات المعسرة. وفي حالة الصحف، سيتضمن الدعم المطلوب التعامل بعدالة مع هذه الصناعة التي عانت من الحكومات أكثر مما استفادت كمؤسسات.
بينما يعكف الفريق الاقتصادي في الحكومة على إعداد خطة مدتها نحو 3 أعوام، والتي تتضمن برنامجاً للإصلاح الاقتصادي بالشراكة مع صندوق النقد الدولي، فإنه يمكن أن يدرس إمكانية تطبيق خطة موازية لثلاثة أعوام أيضاً، والتي تقدم بعض الحوافز المالية لإنعاش قطاع الإعلام -خصوصا الصحف الورقية- من خلال إعفاء مدخلات الإنتاج.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الحكومة التوقف عن تخصيص نفسها بمعاملات تفضيلية لدى الصحف الورقية، حيث تقوم بنشر إعلاناتها على أساس عدد الكلمات. ووفق هذا الترتيب، تدفع الحكومة نحو 10 قروش للكلمة الواحدة، بما يجعل قيمة الصفحة الإعلانية الكاملة نحو 350 ديناراً في أفضل تقدير، بينما يدفع القطاع التجاري أكثر من 3000 دينار للإعلان على نفس المساحة.
إن ما يحدث في "الدستور" و"الرأي" هو نتاج حالة اقتصادية عامة. وهما شركتان مساهمتان، وأسهمهما مدرجة في بورصة عمان، بمعنى أن الخطط والبرامج التي تتحدث عنهما الإدارات ستفضي الى نتائج تبدأ بالظهور بمجرد قيام الحكومة بواجبها تجاه هذا القطاع المهم والحيوي. أما أي حديث عن عمليات لإعادة الهيكلة كحل، فمرفوض كما سبق وأن أعلن الزميل نقيب الصحفيين طارق المومني، ومن خلفه أعضاء الهيئة العامة، والمجتمع أكمل.
من المعروف أن الحكومة سريعة في قراراتها، وقد امتازت بإجراءات قوية وكل العمليات التي يطالب بها الجسم الصحفي تجاه هذا القطاع تكلف بضعة ملايين لقاء اعفاءات لمدخلات الإنتاج، على غرار باقي القطاعات التي تحظى في الأردن بمزايا ضريبية.
إلى جانب ذلك ستبقى الصحف بدورها الوطني الذي قدمته وتقدمه، فيما تبقى أي خيارات أخرى إبقاء مساحات فارغة سيتم تعبئتها من قبل بعض غير المهنيين في تقديم معلومات غير مهنية ضررها في بعض الحالات لا يقاس بملايين الدنانير.
يجب أن يعي صانع القرار أن التطوير عملية مستمرة، فإلى جانب تقديم وجبة في الصحافة الورقية أخذت الصحف بتطوير محتواها الإلكتروني ومجاراة الحدث لحظة بلحظة، واستخدام مختلف الأدوات بشكل يحفظ ديمومتها، وخير مثال "الغد" التي بدأت منذ ثلاث سنوات بتطوير منهجية العمل لتتواءم مع الإيقاع الجديد.