ربيع القلوب
بسم الله الرحمن الرحيم
أيّد الله جلّ في علاه أنبياءه بمعجزاتٍ تناسبُ زمان كل واحدٍ منهم.. لكنها تغيب بغياب ذاك النبي.. ومثال ذلك أنه في زمن القوم الذين برعوا في الطب مثلاً أرسل الله تعالى إليهم عيسى عليه السلام فكانت معجزته لهم من ذات ما برعوا به ألا وهي إحياء الموتى وإشفاء المرضى بإذن الله.
أما فرعون وقومه الذين برعوا في السحر في زمانهم فارسل الله تعالى إليهم سيدنا موسى عليه السلام بعصاه التي تلقف ما صنعوا وهي من جنس ما برعوا به ثم قوم صالح وغيره وهكذا.
وقد ذهبت هذه المعجزات الخاصة بكل قوم ونبيهم بذهاب أصحابها سلام الله عليهم جميعاً .. إلا المعجزة الخالدة لنبي الإنسانية المبعوث رحمةً للعالمين محمد صلى الله عليه وسلم "القرآن الكريم" الذي هو من جنس ما برع به أهل زمانه "العرب" أهل الفصاحة والبلاغة والشعر والسجع وهي معجزةٌ لكل الأزمان مع اختلاف براعة أهل كل زمان وتطورها إذ القرآن الكريم باقٍ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وتأثيره واضحٌ على النفوس وحتى على الجماد، قال تعالى :" لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله".
يظهر إعجاز القرآن في أخباره وقصصه وعلومه ومعارفه وأحكامه وشرائعه وما زال الناس عربهم وعجمهم يكتشفون مزيداً منها في كل زمان إعجازاً بيانياً أو لفظياً أو عددياً أو علمياً أو جغرافياً أو غير ذلك من أوجه الإعجاز المختلفة إلى يوم القيامة.
القرآن الكريم كلام الله جلّ في علاه خشعت له قلوب الجن "إنّا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به".
سمعه رأس الكفر الوليد بن المغيرة من أفصح العرب فقال "إنَّ له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنَّ أعلاه لمثمر وإنَّ أسفله لمغدق.
القرآن الكريم كلام الله جلّ في علاه اهتزَّ له قلب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الذي قيل فيه لو أسلم حمار الخطاب ما أسلم الخطاب.
وعن القرآن الكريم كلام الله جلّ في علاه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كتاب الله فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وحُكمْ ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا يشبع منه العلماء ولا يَخلقْ عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه .. هو الذي من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله .. هو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم .. هو الذي من عمل به أُجِر ومن حكم به عدل ومن دعى إليه هُدي إلى صراط مستقيم.
يهتم بعض الناس في هذا الزمان بخطابات الزعماء أو تنظير الفلاسفة أو مقالات الكتاب السياسية والصحفية ويتدارسونها ويعلقون عليها واحياناً يطرحونها أوراقاً للنقاش.
هذا القرآن الكريم الذي لا يعرفه البعض إلا في رمضان .. القرآن الذي يعلو ولا يعلى عليه لا يحسن قراءته اليوم بعض الساسة والمفكرين العرب وصدق الله العظيم "وقال الرسول يا ربِ إنّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا".
وهجر القرآن أنواع، الأول هجر تلاوته والثاني هجر سماعه والاصغاء إليه والثالث هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه والرابع هجر الإيمان به والخامس هجر تدبره والسادس هجر الاستشفاء والتداوي به والسابع هجر تحكيمه والتحاكم إليه مع ملاحظة أن بعض الهجر أهون من بعض.
إن القرآن الكريم كلام الله جل في علاه هو الذي يستحق أن نتلوه ونتدارسه ونتدبره ونجعل كل آية فيه ورقة نقاشية تطرح للبحث والتفكر والاعتبار والالتزام بأحكام كل آية والإئتمار بأمرها والإنتهاء بنهيها.
إنه كلام الله، الله الذي إليه المعاد وإليه الرجوع وإليه المصير فيسألنا عن هذا القرآن، قال تعالى" وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وأن كثيراً من الناس لفاسقون".
اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وشفاء صدورنا ونور أبصارنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا وقائدنا ودليلنا إلى جناتٍ النعيم .. آمين.
ضيف الله قبيلات