يا اخوان الأردن... أين ذهب رشدكم؟
تمثل حرص النظام مع الجماعة من خلال وصفه الدائم لها بانها جزء أساسي من النسيج الوطني وان مواقفها محل تقدير في الوقت الذي اعتبرت فيه الجماعة نفسها ركنا من اركان حماية الدولة والنظام وتفاخرت –حقا-بانها لم تلجأ يوما الى عنف او إرهاب.
في زمن الربيع العربي بدا نجم الجماعة في السطوع حتى ظننا أن هلالا اخوانيا يتولد ويمسك بزمام الأمور في أكثر من قطر واهمها بلد النشأة لنشهد بعدها تحولا وانحدارا دراماتيكيا يفقد الجماعة كل ما كسبته بل تصل الأمور الى حظرها ووصمها بالإرهاب في مصر واقطارٍ أخرى وما يثير الدهشة أن ذلك حدث في بلاد الاعتدال العربي التي طالما وصفت حكوماتها بأنها أقرب عقائديا إلى فكر الجماعة.
في هذا الوقت وجد الأردن نفسه وهو المحسوب تقليديا على تيار الاعتدال في موقف لا يحسد عليه فإمّا أن يسير على خط شركاءه في الإقليم بإتجاه الحظر فيقع في خلاف مع جماعته التي لم يرصد عليها سالبا يدفعه بهذا الاتجاه او يبقي الأمر على ما هو عليه فيغضب حلفاءه مما يوقعه في مشاكل كثيرة استراتيجية واقتصادية وتكتيكية.
بين الخيارات المؤلمة يسجل النظام موقفا يحسب له في سياسة الرشد ويتبع مقولة –في التأني السلامة-وتجلت خبرة البيروقراطية الأردنية بأن أمسكت العصا من النصف فلا هي اندفعت وراء موقف الآخرين وبنفس الوقت اعلنت أن لا دلال للجماعة ولا خصومة معها.
فجأة وفي مشهد إقليمي خانق نرى جماعة الأردن التي وصفها أحدهم يوما بإنها ربانية تخرج من بيت الرشد والحكمة وتنفجر الخلافات ببيتها كالبركان بحيث يظهرون أنهم يتنافسون ويشهّرون ببعضهم في سبيل المناصب حتى لو أطيح برأس الجماعة.
قبل قليل فقط كانت مقولة الصقور والحمائم فبركات إعلامية! ولا توجد خلافات على أسس إقليمية أبدا بل هم يترفعون عن هذا الطرح وأن الأولويات لديهم واضحة ومتفق عليها امّا الارتباط مع الخارج فهي اكاذيب يروج لها الكارهون، وأذكر ان أحد قيادات الصف الأول في الجماعة ظهر على التلفزيون الأردني قبل سنوات ليقول لنا بعصبية: ماذا تريدون أكثر من ذلك ها نحن رفعنا العلم الأردني فوق المقر؟!
فجأة أيضا يثور البركان ليتبين أن بيتهم أوهن من بيت العنكبوت وأنهم أنفسهم –لا غيرهم-يتنابزون بالألقاب فهم حمائم وصقور مما سمح للنسور بالدخول بينهم وأن التراشق الإعلامي بينهم صار متشنجا مسيئا وأن القمع والفصل نهجهم وان الأولويات محل خلاف عظيم وهي تتراوح بين التركيز على الهم الداخلي وبين التجارة بقضايا إقليمية هم أنفسهم طعنوا ببعضهم بأنهم يتخذونها تجارة ولهوا ورافعة للوصول الى المناصب امّا الارتباط مع الخارج فطرف يؤكده والطرف الاخر يتلعثم فساعة ينفيه وأخرى يصفه بانه عقائدي لا اكثر ويأتي كتوصيات وينفي العلاقة التنظيمية ليذهب بعدها الى الخارج كي يأتي بالتعليمات.
في ظل ذلك تأتي الفرصة من الجماعة نفسها التي تخرج عن بيت الرشد وتظهر ضعيفة منقسمة تعصف بها الخلافات غير العقلانية وتتراشق التهم التي تدينهم جميعا وبدت أنها تأكل بعضها بعضا بل أن وطنتيها صارت مثار خلاف ليس مع النظام بل بينهم أنفسهم مع عوامل إقليمية ضاغطة فلا بد عندها أن ترى الحكومة في كل ذلك فرصة ثمينة -ستلوم نفسها إن فوتتها-لكن الدهاء ظهر جليا عندما بدت الحكومة وكأنها تراقب عن بعد مع أن الدهاء ذاته يوحي بأنها كانت تفرح بما يحدث أو ربما تدفع الى ما انتهت اليه الأمور.
اليوم وصلت القصة الى نهايتها من ظهور جماعة مسجلة رسميا تعلن أنها تلتزم بالهم الأردني وطنا وقانونا وهوية وكان ذلك مطلبا شعبيا في بيت الاخوان نفسه ولدى الأردنيين لذا على الحكومة أن تمضي قدما في تثبيت الواقع الجديد دون أن تلتفت الى الوراء أو إلى تلميحات باللجوء الى التطرف أو العنف وهي تدين فقط من أطلقها ولم يعد الشعب يصبر على جماعات لا تختلف عن الأنظمة بمتاجرتها بقضايا تتخذها سلما لإشباع النهم في السلطة والمناصب.
الدوحة – قطر
13-3-15