حتى لا يكون الدمج شعارا زائفا!
في الوقت الذي بدا فيه المجتمع الإنساني وكأنه ينسلخ من انسانيته ويعمل على تبني أفكارٍ انعزالية إقصائية وصلت حدود التطرف بحيث لا يمكن للإنسان تصورها أخذت الأصوات المطالبة بتبني عكس هذه التوجهات تتزايد وتتعالى وبالتالي ُشنت حملات شرسة من جهات ومؤسسات ومنظمات حقوقية وإنسانية مختلفة حيث خاضت صراعا طويلا في سبيل تغيير هذه الوجهة بل والالتفاف عليها.
امّا مبررات الدمج فكانت نفسية، اجتماعية، قانونية، إنسانية ومادية اكدت عليها جميع التشريعات السماوية منها والأرضية المحلية والدولية.
الافكار الجديدة عادة تحمل في طياتها ما هو سلبي في ثنايا الإيجابي او العكس ومن هنا فإن حصر الايجابيات والسلبيات وموازنتها بهدف التقييم الموضوعي يعتبر ضرورياً للتثبت من أننا نخطو بحزم نحو تحقيق الاهداف والغايات.
تناولت العديد من الدراسات الدمج وبينت سلبياته وإيجابياته ولا يتسع المقام هنا لذكرها وبدت فلسفة الدمج ذات وهج وبريق تحمس لها الجميع خاصة من ذوي الشأن وأسرهم لكن ينبغي ألا يطغى علينا الحماس بحيث نرى في الدمج عنوانا جميلا جاذبا ليس له وجها اخر.
في أدبيات مبادرة "تعليم لمرحلة جديدة" في دولة قطر تحدثت عن حق فئات من الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة في الوصول إلى كافة الخبرات التعليمية في إطار حقهم الإنساني والقانوني المشروع، وفي دمجهم ضمن الصفوف العادية، ومنع أي عزل لهؤلاء لأي سبب كان، سواء تعلق ذلك بقدراتهم، أو جنسهم، أو لغتهم، أو نوع إعاقتهم، أو أوضاعهم المادية، أو لونهم، أو دينهم وعرقهم وأنشات الهيئات واحدثت التغييرات من أجل تذليل العقبات التي تحول دون حصول هؤلاء الطلاب على الخبرات التعليمية المناسبة كغيرهم من الطلاب العاديين بل اعتبرت المجتمع المدرسي بشتى فئاته مطالبا بتذليل الصعاب.
عندها تحمس الجميع لفكرة الدمج ليتبين بعد قليل أن هناك عقبات تحول دون تطبيقه بمفهومه الشامل وبدأنا نسمع بعض الشكاوى خاصة ممن هم أكثر التصاقا بهمومه وهم أولياء الأمور ومقدمي الخدمة.
سمعنا من يقول أن الدمج كان شكليا وأنه اقتصر على الجوانب الاجتماعية وبعضهم وصف حال ابنه وكأنه يذهب الى ما أسموه (baby sitter) وشكا بعض العاملين بأن الدمج كان عشوائيا ولم يميز بين الحالات مما أوجد ارتباكا بين العاملين فضلا عن الشكوى من أن البيئة لم ُتعّد مادّيا وبشرياً كما يجب امّا عن نقص الاختصاصيين وعدم تأهيل العاملين فحدث ولا حرج.
يمكن للمسئولين والمهتمين أن يتأملوا بما حققته سياسة الدمج وأن يعملوا دائما على المراجعة الذاتية من أجل تصويبها وتطويرها ويتحقق ذلك بسعيهم لإجابة أسئلة هامة تفرض نفسها مثل:
من هي الفئات التي يمكن أن تستفيد أو تلك التي لا تستفيد من الدمج؟
كم هي الأعداد التي قد تستفيد من الدمج؟
هل اطلع المجتمع على فلسفة الدمج ويعيها تماما؟
هل تتوفر الأدوات والأجهزة الملائمة لتحقيق الدمج؟
هل البيئة بشقيها المادي والبشري حافزة للنجاح؟
هل الوضع التشريعي والقانوني يضمن حق الحماية والرعاية الصحية والاجتماعية والتربوية عند التطبيق؟
بدايةً فلسفة الدمج تتطلب العمل على إحداث التغيير المنشود لتسويقها حيث يكمن سر النجاح ويتم ذلك على مستوى البيئة والافكار والبرامج وعندها لا يبقى الدمج مجرد شعارِاً زائفاً وخدّاع. د. منصور محمد هزايمة الدوحة-قطر 12-3-15