السياسة: الأردن وإيران!

للذين يعتقدون ان السياسة هي المع والضد فقط، لن يفهموا رسالة جلالة الملك للرئيس الايراني روحاني ولم يفهموا هذه الحفاوة التي استقبلت بها طهران وزير الخارجية الاردنية ومرافقيه، فنحن نختلف مع اكثر سياسات ايران في المنطقة، وهي كذلك تختلف معنا، لكننا موجودان فيها، ويجب ان نقرأ أولويات كل منا، واذا لم نتواصل نحن وايران، فان حدود الخلاف تضيع ويتحول الى عداء اعمى، وهذا ما لا نريده ولا تريده ايران العاقلة.
في السياسة كما في كل الأشياء، هناك حدود بين الأسود والأبيض، ولكن الأذكياء، يخلقون مناطق رمادية، بين هذه الحدود، وكلما توسعت هذه المناطق، كلما نجح الطرفان في تقليص حدة الاختلاف والوصول الى تفاهمات قد تبدو بعيدة.. لكن تتابعها يسمح بسياسات افضل واقل خسائر.
اثناء توزيرنا، زارني السفير الايراني بعد ان حددنا أكثر من موعد، اعترف بأن مشاغلي كانت مسؤولة عن تأخيره، وكان الموضوع حجز المركز الثقافي الملكي لأيام ايرانية ثقافية، قابلته في المركز، واعتذرت بالحجوزات الكثيرة، وتفهم العذر وتركنا للحديث ان يكون اشبه بحديث جيران يتعرفان على بعضهم. كان السفير الشاب يتحدث عن امكان التعاون في سكك الحديد عبر العراق ولم يذكر سوريا, فذكرت سعادته انني وزير ثقافة, واظن ان زميلي وزير النقل هو المعني بمثل هذا المشروع العظيم.
وقلت للسفير: اننا اذا حاولنا القفز عن علاقات الاردن بدول الخليج, فإن مشروعات ايران والاردن مهما كانت لن تنجح. هذا لا يعني ان الاردن مرتهن في سياساته, لكننا نحب الخطوة خطوة. فماذا لو مارستم «صداقتكم» مع السيد المالكي جارنا وجاركم في العراق ورفع كمية النفط الذي نشتريه من 000ر10 برميل يومياً الى 15000. وتوسيع تجارة الخضار, والمصنوعات الاردنية.. هذا طبعاً الى جانب أي من المشروعات الكبيرة في النقل.
ووافق معي سعادة السفير, لكن شيئاً ما لم يتغير، فالمالكي ليس رجل سياسة, وكلامه عن التعاون لا يعني شيئاً لأنه يناور مع الطرف السُنّي العراقي حيث يتحدث معنا. وهذا خطؤه القاتل الذي يدفع ثمنه ويدفع العراق ثمناً افظع بتطوّر داعش الذي اختطف سنّة العراق وجعل من هذا الاختطاف قنبلة تنفجر في العراق وسوريا والمنطقة.
ايران يجب أن تجد نفسها في المنطقة وليست ضد المنطقة, وهذا معناه تخلصها من الحلم الساساني والهيمنة على العرب بالاسلام. وعليها ان لا تتمسك بالفاشلين في سوريا, فذلك يجعل من السوريين عدواً مقيماً لايران.. فتصوّر السوريين بأن ايران تريد فرض الديكتاتور الدموي عليها بالقوة, لا يوصل احداً الى الحل السياسي الذي تريده طهران الان.
نظن ان المبادرة الاردنية في «فتح خُرّاف» مع ايران هي مبادرة ذكية تستحق المتابعة.. ولعل سفيراً مثل عبدالله ابو رمان له مغزى. فايران تحكمها السياسة لا الدين.