أردوغان إذ يقود.. لعبة الكراسي الموسيقية!

يقترب استحقاق السابع من حزيران «التركي»، بما هو «حلم» حياة الرئيس رجب طيب اردوغان، الذي هيمن على المشهد السياسي والحزبي التركي طوال عقد من السنين حظي خلالها بتقريظ ومديح اقرب الى خلع عباءة القداسة عليه من قبل البطانة المحيطة به، وخصوصاً من وُعّاظ السلاطين والدراويش وأئمة المساجد والتكايا، الذين ظنوا ان رئيس حكومتهم (قبل ان يستنفد حقه «الحزبي» في رئاسة الحكومة لثلاث دورات متتالية)، انما هو مبعوث العناية الإلهية وحامي حمى الاسلام وخصوصاً في نسخته العثمانية الجديدة، التي يريد استعادة امجادها والسير بها على هدي مبادئ حزبه الذي يصف نفسه بحزب العدالة والتنمية، وهما شعاران جاذبان وقابلان للصرف في البازار الشعبوي والجماهيري التركي، وخصوصاً ان مَنْ توالوا على حكم تركيا بعد مصطفى كمال اتاتورك كانوا خليطاً من الفاسدين والمهرجين، ولكن دائماً من الخاضعين لمشيئة الجنرالات ومَنْ انتدبوا أنفسهم، عنوة وبلا تفويض من الجمهور، لحماية إرثْ الاتاتوركية، وكان ان تمكنوا من أهم مؤسستين في البلاد هما قيادة الجيش وخصوصاً الجهاز القضائي الذي يُنسّق على الدوام مع العسكر لاحباط أي تحول ديمقراطي حقيقي في البلاد يُخضع المؤسسة العسكرية لقرارات المستوى السياسي المُنتخب.
ما علينا..
اردوغان الذي بدأ يُحس مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية الحاسمة، التي ستحدد مستقبله السياسي (بمعنى نفوذه وصلاحياته)، أن الأمور غير مضمونة لجهة تحويل النظام البرلماني الحالي الى نظام رئاسي عبر تعديل الدستور، هذا التعديل الدستوري الذي يتطلب تأييد ثلثي أعضاء البرلمان
(البالغ عددهم 550) ما يعني ضرورة توفر 375 عضواً لصالح التعديل، وهو احتمال لا يبدو مؤكداً حصوله لصالح حزب العدالة والتنمية الحاكم منفرداً، قياساً بما كانت الحال عليه مع الانتخابات المحلية (البلدية) التي جرت قبل عام من الآن (30 آذار 2014) والتي لم يحصل خلالها الحزب الا على نسبة 48% من الاصوات، ما يرتب عليه عقد تحالفات جديدة، تبدو غير الأخرى ليست في متناول اليد الا اذا استطاع (اردوغان) تقديم ضمانات معلنة ضمن قرارات سارية المفعول لصالح الاكراد وبخاصة تجاه حزب العمال الكردستاني التركي PKK الذي يرأسه عبدالله أوجلان، حيث كان الاخير وجه دعوة دراماتيكية وغير مسبوقة لانصاره بالقاء السلاح والسير على دروب العمل السياسي لتحصيل الحقوق الكردية.
في الاثناء تبدو الساحة الحزبية التركية وبخاصة ساحة حزب العدالة والتنمية الحاكم، في حال من الارتباك والتوتر والشكوك ليس اقلها في عودة كاتم اسرار اردوغان (كما وصفه الرئيس التركي شخصيا) حقان فيدان عن نيته ترشيح نفسه للانتخابات البرلمانية القريبة، بعد ان كان قدم استقالته من منصبه كرئيس للاستخبارات التركية.. اللافت هنا ليس فقط تراجع الرجل الاقرب الى اردوغان عن استقالته بل في قرار الرئيس التركي اعادته - على الفور - الى منصبه السابق، وكأن شيئاً لم يكن ما يعكس ان الاستقالة وحكاية الترشح وامتعاض اردوغان (المزعوم) من قرار كاتم اسراره، لم تكن سوى احبولة كيدية وبالون اختبار لقياس ردود الفعل والتصويب على المعترضين او المتخوفين من احتمال حلول «فيدان» مكان داود أوغلو لان الاخير ابدى بعض «الانزعاج» من تدخل اردوغان في قرارات حكومته وترؤسه جلسات مجلس الوزراء على الضد من النصوص الدستورية (لان منصب الرئيس حتى الان شرفي في نظام برلماني، لكن اردوغان يتصرف وكأنه الحاكم بأمره)..
وايضا في ظل تواتر الانباء عن امكانية «عودة» الرئيس السابق والشريك المؤسس لحزب العدالة والتنمية عبدالله غل، الى الحياة السياسية، فان المشهد التركي يبدو مفتوحا على احتمالات عديدة ليس اقلها امكانية تبدد حُلم اردوغان بالبقاء رئيساً حتى العام 2023 في منصبه وهو عام الذكرى المئوية لقيام الجمهورية التي اعلنها أتاتورك بعد ان دفن جثة دولة الخلافة المهزومة.
واذا ما اخذنا في الاعتبار محاولات اردوغان الدخول في اصطفافات وتحالفات اقليمية بالضد من كل خطابه العدواني والمتغطرس الذي دأب على بثه طوال سنوات الازمات العربية المفتوحة، وبخاصة في سوريا ومصر وليبيا واليمن، فإننا بالفعل امام رجل يمارس لعبة الكراسي الموسيقية، لكنه في النهاية يفشل - وليس بالضرورة ان يكون فشله مؤكدا او كاملاً - في ضبط ايقاعه، فتنهار اللعبة وتتفرّق «الجوقة».