علاقة الإخوان مع القوميين واليساريين
اخبار البلد-حمادة فراعنة
يُخطئ قادة الإخوان المسلمين في الأردن ، إذا إعتقدوا أن القوميين واليساريين ، يفرحون لمشاكلهم ، أو يتلذذون على ما يعصف " بالإخوان " من خلاف وإنقسام وتراجع ، إذ ليس بالضرورة أن مصائب قوم عند قوم فوائد ، بل قد تكون مصائب أناس لدى أناس مصائب ، فها هو الوضع المأساوي لدى الأشقاء السوريين والعراقيين ، يعود علينا بالأسى والفقر والمتاعب ، وهذا ما يحصل لدى قطاع الحزبيين الذين يقبضون على جمر الواقع وقسوته ، لأن أغلبيتهم في وضع صعب لا يسر أحداً ، وإن إختلفت المقدمات والظروف التي صنعت الصعوبة والتراجع ، لدى أحزاب كل تيار من التيارات الثلاثة اليسارية والقومية والإسلامية ، فقد واجه اليساريون والقوميون الأخفاق والإنحسار ، ولا زالوا يدفعون أثمان نتائج الحرب الباردة 1950 – 1990 ، وأثمان تدمير العراق 1991 وإحتلاله عام 2003 ، فالتراجع والإنحسار لدى تيار لا يعني أنه سيعود بالخير على التيارات الأخرى ، ونجاح تيار ليس بالضرورة يتطلب هزيمة تيارات منافسة أخرى ، فالحركة السياسية عموماً في بلادنا ضعيفة لعوامل موضوعية خارج عن إرادتنا ، وإن كنا شركاء معاً في تحمل مسؤولية الفشل والهزيمة وها هو أحد كتاب الزوايا في أحد الصحف اليومية الأردنية يوجه نقداً لا يرحم لأحزاب التيارات الثلاثة الإسلامية والقومية واليسارية ، لأنها تفتقد للديمقراطية ولا تستجيب للتطور ، مع أنه شخصياً يمثل قوى الشد العكسي الذي لا تريد أي تطور للعمل الجماهيري والسياسي أسوة بالتطور الذي يتمتع به العمل النقابي ، فهي ضد الشراكة وتوسيع قاعدة المشاركة ، بل إن قوى الشد العكسي حريصة على بقاء معايير الوصول إلى السلطة ومؤسسات صنع القرار من البرلمان إلى الحكومة عبر المعادلة القديمة الجهوية العشائرية التي لا تستند إلى المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص ، وتتعارض مع تصريحات رأس الدولة جلالة الملك الذي يقول بضرورة تشكيل حكومات برلمانية حزبية تعتمد على نتائج صناديق الإقتراع .
وعليه ثمة قناعة ، يجب أن تكون راسخة ، مفادها أن لا مصلحة للأحزاب اليسارية والقومية ، في إضعاف الإخوان المسلمين ، على الرغم من المرارة التاريخية الكامنة في نفوس القوميين واليساريين من سلوك الإخوان المسلمين معهم ، سواء في مرحلة الأحكام العرفية 1957 حينما تعرضوا للقوميين ولليساريين في الشوارع ، وحينما صوتوا في مجلس النواب على فصل النواب اليساريين والقوميين وطردهم من البرلمان في نهاية الخمسينيات .
ولاحقاً في مرحلة إستعادة شعبنا لحقوقه الدستورية وإستئناف الحياة البرلمانية بعد عام 1989 ، والذي أدى في بعض الأحيان لقيام تحالفات سياسية بين المعسكرين على خلفية معاهدة السلام ، وعلى خلفية المطالبة بالإصلاحات ، كان الإخوان المسلمون يعقدون الصفقات مع الدوائر الرسمية من خلف ظهر الأحزاب اليسارية والقومية ، ومع ذلك ، ورغم التنافس الإنتخابي والسياسي والفكري ، القائم والمتواصل ، بين المعسكرين القومي واليساري من جهة ، وبين معسكر الإخوان المسلمين من جهة أخرى ، ثمة قناعة ، قد تكون واقعية وصحيحة مفادها أن إضعاف حركة الإخوان المسلمين كحركة سياسية قوية لها حضورها ومصداقيتها ، سيؤدي إلى إضعاف المعسكر اليساري القومي ، رغم التباين والتنافس بين المعسكرين .
ما يعصف بالإخوان المسلمين لا يسر المعسكر القومي واليساري ، بل قد يضعفه ، ولذلك يتمنى اليساريون والقوميون رغم المرارة الكامنة في نفوسهم كما قال بعضهم ، تمنوا أن يخرج الإخوان المسلمون من مأزقهم ويتصرفوا بحكمة وسعة صدر ، لأنهم بكل بساطة جزء من الحركة السياسية الأردنية ، بل هم في طليعتها ومصدر قوة لها ، ولذلك ثمة تقدير للجناح الإصلاحي المستنير داخل حركة الإخوان المسلمين ، الذي بادر في محاولة لإخراجهم من الظلمة ، ومن الطرق المسدودة وفتح بوابات الأنقاذ لهم بعد سلسلة الإخفاقات التي تعرضوا لها في غزة ومصر وليبيا وسوريا وحتى اليمن ، كي يحموا حضورهم ومكانتهم في الأردن ، موظفين واقعية " أصحاب القرار " لعدم التعرض لهم وعدم المس بهم ، وعدم نزع الشرعية عنهم كما حصل لدى بعض البلدان العربية المجاورة ، فكانت مبادرتهم الإصلاحية لعلها تُسهم في خروجهم من المأزق الداخلي والوطني والقومي .
تحتاج الأحزاب اليسارية والقومية ، وتتمنى أن تجد لدى شرعية قيادة المبادرة الجديدة ، نهجاً جديداً ، في كيفية التعامل مع الأحزاب اليسارية والقومية ، لعل أغلبية القوى السياسية المعارضة تستطيع بلورة برنامج عمل مشترك يدفع بالأحزاب مجتمعة خطوة بل خطوات إلى الأمام ، وتحظى بدعم وإلتفاف جماهيري هي في أمس الحاجة إليه ، في مرحلة تتسم بالتناقض والصراع ، ما بين التطور والتخلف ، وما بين المعايير الديمقراطية ، ومعايير الأحادية .
h.faraneh@yahoo.com