الخطـر الأكبر على الأردن من الأردنيين

اذا كانت شركات الهواتف النقالة والحواسيب قد اعتمدت وكرّست نظرية الاجيال في اختراعاتها , فهذا لا يعني انها صاحبة براءة الاختراع لهذا المصطلح او التصنيف , فقد سبقتها وزارات الدفاع في ذلك التي صنّفت الحروب حسب اجيال الاسلحة المُستخدمة فيها , فالجيل الاول كان السيف والترس والرمح ثم جاء البندق او البندقية وتطورها المدفعي ليشكل جيلا ثانيا وكان الجيل الثالث , الصواريخ والطائرات والغواصات مع اختلاف محتوياتها التفجيرية ورؤوسها النووية .

منذ العقد الاخير من الحرب الفيتنامية انتجت مختبرات وزارة الدفاع الامريكية الجيل الرابع من الحروب والتي تستهدف زعزعة الاوضاع الداخلية في بلاد الخصوم وتوفير الامان للبلدان الصديقة وانتجته على شكل مثال تقريبي يقول بتسميم بئر العدو او نشر الاوبئة بينه , والبئر هو عقول البشر والاوبئة هي الشائعات والفتن وخلاصته تعزيزالقدرة الامريكية على التنبؤ والتأثير على التطورات الاجتماعية في البلدان الأجنبية ,فإذا كان الجيش الأمريكي مطالباً بأداء فعال في مواجهة الأعداء،فإنه لابد من معرفة كيف يكافح التمرد في الدول الصديقة ويصنع التمرد في الدول المعادية ,بما يحمله التمردمن انهيارالنظام الاجتماعي والسياسي .
بهذه النظرية الناجحة في اقطار كثيرة عاشت على الاشاعة وانزاحت الثقة بين الاجهزة الرسمية والمواطن الى ترتيب متأخر على سلّم الاولويات الوطنية , يكون الداخل المُنهك او الحاضن للاوبئة او صاحب البئر المسموم اكثر خطرا على وطنه من الاعداء لانه يوفر لهم الفرصة للانقضاض دون كلفة , ورأينا ذلك بالذخيرة الحيّة في العراق من خلال احتلال مباشر ونجحت التجربة في اتون الربيع العربي الذي انتج بفعل العوامل الذاتية كل موجبات الانهيار السياسي والاجتماعي دون احتلال وما يحدث في العراق وسوريا واليمن وليبيا يستطيع المواطن رؤيته بالعين المجردة .
رغم اننا نعيش ظرفا استثنائيا من التماسك والوحدة الا ان حواضن الاوبئة ما زالت موجودة وآبارنا الداخلية عُرضة للسموم , فثمة فتحات يجب احكام اغلاقها , فالثقة موسمية والتماسك بحاجة الى بناء تراكمي حتى يتحول الى حالة ثابتة وليست سائلة وموسمية , والاداء العام بشقيه الرسمي والشعبي ما زال محكوما بهوامش الشك والريبة , فالاجهزة الرسمية تمارس شكوكها والمواطن لا يحمل كثير ثقة ويستثمر في حالة السيولة الرسمية الناجمة عن عدم تطبيق القانون بعدالة وصلابة على الجميع ولا توجد برامج واضحة ومربوطة بجدول زمني لانجاز رزمة الاصلاحات الشاملة .
صحيح ان الغرب يريد بنا شراً ونحن نساعده ونمنحه الفرصة كاملة لنجاح ارادته , لعيوب في الشخصية الوطنية الاردنية حتى تكون الفكرة واضحة , فنحن نتحدث بلغتين وربما اكثر ونمارس الاستغفال على انفسنا وعلى الاخرين , فنحن ننتظر الدعم وننتظر المعونات بل ونراها واجبا على الاخرين وهذا فيه جُزء من الحقيقة ولكن ليس كلها لننفقها على اللحظة الراهنة على شكل زيادات سنوية وتحسين معيشة , على عكس المطلوب وطنيا , فالانفاق يجب ان يكون على شكل مشاريع رأسمالية تفتح ابواب العمل والوظائف للمتعطلين عن العمل وليس للعاملين الذين في مطالبهم عدالة ولكن تحتمل التأجيل .
نحتاج الى اصلاح ضريبي يعتمد الشكل التصاعدي وليس التطفيشي او العقابي للقطاعات الرابحة , والاهم نحتاج قانون استثمار يرفع بجذبه للاستثمار اعداد دافعي الضريبة بدل رفع الضرائب , فنحن بحاجة الى توسعة افقية وليس زيادة عامودية للضرائب , نطالب بالحفاظ على ما اسميناه الحقوق المكتسبة في القوانين الناظمة للعمل السياسي وفي ذات الوقت نطالب بتجويد القوانين ونطالب الاصلاح السياسي وهذا يقتل ذاك والعكس صحيح نطالب برقابة قانونية على الحكومة وتعترض الاحزاب اذا ما خضعت للرقابة وسط تصفيق الجمهور .
علينا مؤامرة خارجية واقليمية , نعم , وهل نحن نساعدها ونرفدها , نعم , وهذه هو الابتكار العربي الوحيد في تعداد الحروب , فقد انتج العرب الجيل الخامس من الحروب وهي الحرب على الذات وفيها يصبح المواطن هو الخطر على الدولة طالما اننا نؤمن بمقولة اذا وقع بيت ابيك فخذ لك من طوبة .