كلام عن الاخوان المسلمين

لستُ من الأخوان المسلمين، ولن أكون واحداً منهم، ولكنّني أكتب في صحيفتهم، فمقالتي تمثّلني، وبالتأكيد فهي لا تعبّر عن موقفهم، وقد تتفّق معهم، وقد تختلف، وسأختبر ذلك على أرض الواقع»، وذلك ما كتبته قبل نحو سنة، وما زال يعبّر عنّي.
ككاتب، حَمل تلك الرسالة الاستقلالية، كانت تتنازعني خلال الأسبوع الماضي مواقف الكتابة اليومية، فكلّ ما بدأت مقالة عن الأزمة التي يمرّ فيها هذا التنظيم وجدتني أتوقف، وأغيب عن مقالتي، فأنا أكتب في صحيفتهم، وأقلّ اللياقة أن أراعي اختلافاتهم، فلا أنحاز إلى طرف، انتظاراً لتوافق ما، وكان يأتي دوماً.
لم يكن ذلك موقفاً مهنياً فحسب، بل هو موقف سياسيّ وطنيّ أكثر، فالاخوان المسلمون رقم لم يكن في يوم سهلاً في حياتنا، لا محلياً ولا عربياً ولا دولياً أيضاً، ومع غيابهم القصري عن المشهد، في غير مكان، وفي غير تاريخ، كانت تنهال علينا المصائب، منذ جمال عبد الناصر الذي أنتمي إلى فكره وتجربته، إلى الآن.
 كان رأيي المُعلن، أنّ هذه الحركة السياسية استطاعت على البقاء على أرض الواقع أكثر بكثير ممّا غُيّبت، وهي ضرورة تاريخية، فالإسلامية المعتدلة هي الضابط الموضوعي للشباب المسلم الباحث عن التغيير، لأنّ الإسلام السياسي الرسمي غير مُقنع، والإسلام السياسي المتطرف غير مُقنع، ولا يبقى سوى الإسلام السياسي المعتدل، الذي يخوض التغيير تحت ضوابط الواقع، والقانون، وضمن محددات معيّنة.
الأخوان المسلمون ليسوا مجرّد دعوة إلى الإسلام، فذلك يعني التوجّه غير المسلمين، بل هم دعوة إلى طريق معيّن في الإسلام، إلى الطريق التصالحي التشاركي التفاهميّ، وذلك ما عبّر بكلّ صدق، وبساطة، وحذق سياسي، المؤسس حسن البنا، الذي قال عن خارجين على الدعوة باتباع العنف، والاغتيال: «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين»، مع أنّ تلك الجملة البليغة الصادقة لم تشفع له، فتمّ اغتياله، في مساء أسود.
الأخوان المسلمون جماعة تمدّدت في ظلّ القهر، وتوسّعت في أنحاء الفقر، من خلال الانتخابات أو غيرها، وصار لها رئيس يحكم الدولة التي تأسست فيها الحركة، وبصرف النظر عن نجاح أو فشل تجربته، فالانقلاب عليه ومحاولة شطب الجماعة لم يثبت شيئاً سوى حضورها في المشهد، والمؤسف أنّ العملية أوصلت إلى تعبئة الفراغ بالتطرف والعنف من تنظيمات إسلامية أخرى.
وليس جديداً على الحركة أن تتعرّض للعرقلة من الحكومات الأردنية، فالسياسات الرسمية ظلّت تحاول توقيف تمدّدها، بدءاً من قانون الصوت الواحد، إلى السيطرة على المركز الإسلامي، إلى الكثير من القرارات، ومنها بالطبع التشجيع الضمني للانشقاقات، وتأسيس أحزاب إسلامية مختلفة.
على أنّ الجديد، الآن، هو في وجود شخصيات وازنة ضمن المحاولة الانشقاقية، وفي تقديرنا فإنّ هذا ما شجّع الحكومة على القاء ثقلها مع المنشقين، وفي تقديرنا أيضاً فإنّ إلقاء اللوم على الدوار الرابع وحده غير مجد، لأنّ الحركة علّمتنا دائماً على استيعاب الحراكات الداخلية، والتكيّف معها، وكان هذا هو سرّ تمدّدها الدائم.
ما نقوله إنّه ليس من مصلحة أحد، لا داخل الحركة الإسلامية، ولا أردنياً، تفتيتها، فتعبئة الفراغ سيكون لصالح التطرف، لهذا فالأمل معقود على القيادات بالعمل على الخروج الآن بأقلّ الأضرار، وعلى الحكومة بالعمل على الحدّ من القرارات الثأرية التي قد تتّخذ شكلاً قانونياً، ولكنه في آخر التحليل واضح في كونه عدائياً ويسير في سياق مرّت ضمنه دول أخرى.
من غير المتوقّع أن تُشطب الحركة الإسلامية من الوجود بجرة قلم، ولكنّ الدخول في تجاذبات سياسية، واستعراضات القوّة، لن يوصل البلاد إلاّ إلى مواقف غير محمودة.