حيدر محمود .. فارس الكلمة بحق

أخال نفسي أتذوق الشعر وأنظمة في بعض المناسبات , ويستوقفني الكثير ممن امتهنوا حرفة نقش الكلمة وتنميق صورتها بشكل يريح العين ولا يتخطاها.
أما الذين ولدت معهم القصيدة وصاغوا كلماتها كما يصوغ الصائغ الذهب , فلامست مفرداتها شغاف القلوب , واستنفرت عباراتها العقول ، فقد بات هؤلاء ندره .
لذا لم يعد للشعر في هذا الزمن وقعهُ ونكهتهُ السابقة، فجّل من ينظم القصيدة يعتمد الشكل على حساب المضمون والغرض، كما الذي يضع اللحن ثم يكتب له الكلمات.
لذا باتت القصيدة خاوية من الصدق والعفوية , ولم يتبقى كما أسلفت إلا النزر اليسير ممن كتبتهم القصيدة ووظفتهم لخدمتها.
وحيدر محمود من هذه الصفوة , فقد حملت كلماته رائحة التراب وعبق المجد والتاريخ ونبض الشارع وهم الوطن بإبداع , فنفذت إلى القلوب كرصاصة قناص ماهر، فشعره يلامس قلبك وعقلك معاً , فتحس إنك تقرأ ما تحب أن تقرأ , وإنك تقرأ شعراً ليس غريباً عنك , وكأنك عهدته منذ زمن , وتعاود الآن إسترجاعه , وفي كل مرة تستفز فيك الكلمات مضامين و دلالات جديدة ، وكأنك تقرأ بحواسك الخمس.
خاصية لا يملكها إلا القليل ممن خاض غمار الشعر وسخره اجمل تسخير.
كان أول عهدي بشعر حيدر محمود من خلال قصيدة مغناة بعنوان "شجر الدفلى" لامست كلمات هذه الأغنية شغاف القلوب وحركت وجدان كل أردني، وباتت كلماتها تتردد في الكثير من المناسبات حتى استقرت في ذاكرة الجميع.
ثم جاءت قصيدة عمان البديعة والتي جسد فيها حبة للمدينة التي احتضنته فاحتضنها , وحملها في قلبه وتغنت بها مفرداته الجميلة بهية شماء
" عمان اختالي بجمالك وتباهي بصمود رجالك وامتدي امتدي فوق الغيم بأمالك"
أما رائعته دم الشريفين وشم . فقد عبرت عن عشق كل عربي لثرى القدس واستفزت كل مخلص لأمته وتاريخه للتضحية من أجل فلسطين الحبيبة .
كذلك قصيدته الجميلة "الرسم والوشم" والتي يقول مطلعها
"علقت رسمك وشماً في عرى كبدي فغار مني ومنك الكون يا بلدي"
وجاءت اخر نتاجاته الرائعه وليست الاخيره , بعنوان ارفع رأسك
لقد اقتطفت بعض الورود من بستان الشاعر الزاخر بكل الألوان، ولا يسمح لي المقام للتعبير ووصف ما يحمله هذا الشاعر من حس وطني وفني مرهف ، إنه هرم شعري أردني وفارس الكلمة بجداره .
د. نزار شموط