عندما تُفقد العدالة

عندما تُفقد العدالة
تحلوا الغربة ويرخص الموت
أوجب الله العدل وجوبا مطلقا وأمر بتحقيقه في الأقوال والأفعال والتصرفات والحكم والفطرة والتقييم والشهادة والعلاقات وتكررت كلمة العدل ومشتقاته ثمان وعشرين مرة في القران الكريم , يقول تعالى على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في سورة الشورى ( وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ )صدق الله العظيم .
وقال ابن تيمية (أمور النّاس تستقيم في الدّنيا مع العدل، أكثر ممّا تستقيم مع الظّلم في الحقوق. ويقال أن الدّنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظّلم والإسلام.)
وقال أيضا( العدل نظام كلّ شيء فإذا أقيم أمر الدّنيا بعدل قامت وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق. ومتى لم تقم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة.)
والعادل هو الله جل جلاله وقد ارتضاه سبحانه اسما من اسمائه الحسنى , وقد حثّ جميع الرسل الناس على إقامة العدل واجتناب الظلم لكي تستقيم امور العباد جميعا .
والعدل لغوياً عبارة عن الوسط بين الإفراط والإعتدال في الأمور ، ويقابلها الظلم, فبينما العدل مصطلحاً يرمي الى المساواة بين النّاس والعدل فيما بينهم وإعطاء الحقوق دون تفرقة بين النّاس دون إعتبار للون أو نسب أو مال أو جاه , لأنّ العدل هو ميزان الله على الأرض ، وكما أمرَ الإسلام بالعدل فقد حرّم الظلم وللظلم سمات كثيرة ومنها ظلم النفس ، وظلم الآخرين ، وظلم الميراث ، وظلم التمييز في التعامل ، فالإسلام دين الوسطيّة فهو يعدل في كلّ أمور الحياة . وكما أنّ العدالة في السماء لا يمكن للعباد ان يصلوا لمستواها فقد حضّت جميع الدساتير والقوانين الوضعيّة المدنيّةعلى العدل والمساواة بين الناس كما جائت بذلك جميع الشرائع منذ شريعة حمورابي ولكن سلوكيات البشر حكّاما ومحكومين لا يتفيّدون بتلك الشرائع والقوانين خاصّة في العالم الثالث والمجتمعات المتخلِّفة البعيدة عن مسارات الديموقراطيّة الحقيقيّة في الحكم والحياة العامّة .
واكثر الظلم الذي يقع على الناس يأتي من تفاوت الدخل والثروة ومن ابتعاد الحكومات ومسؤوليها عن تطبيق معايير العدالة على الناس ممّا يُكرِّس الفقر والجوع والبطالة بين معظم المواطنين والمرض والجهل بين بعضهم بينما فئة قليلة العدد تحظى بحياة مرفّهة على حساب تعاسة الغلابى الآخرين .
وقال جيمس ديفيز، أستاذ الاقتصاد في جامعة ويسترن اونتاريو: "عدم المساواة في الدخل ظلت ترتفع في السنوات العشرين الماضية، ونعتقد صحة عدم وجود المساواة في توزيع الثروة ". وقال "هناك مجموعة من المشاكل في البلدان النامية التي تجعل من الصعب على الناس بناء الأصول، والتي هي مهمة، كون الحياة غير مستقرة للغاية."
ويمكن تقدير الفوارق الأخرى بشكل أفضل عندما تتم مقارنة الأفراد الأغنياء ضد الأفراد الفقراء, وقد أظهر استطلاع لمؤسسة «جالوب» الأمريكية أن 3% من الأغنياء في العالم يستحوذون على 20% من إجمالي الدخل العالمي، وهي نسبة تماثل ما يحصل عليه 54% من السكان الأكثر فقرًا في العالم.
وقد دعت وكالة الإغاثة الدولية (أوكسفام) الدول المشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس لاتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة التفاوت الواسع في الثراء، مستدلة على هذا التفاوت بأن ثروة نصف سكان العالم تملكها الآن مجموعة صغيرة من الناس لا تتجاوز عدد ركاب حافلة من طابقين، أي قرابة 85 رجلاً من أغنى أغنياء العالم.
وقالت المنظمة البريطانية في تقرير لها إن نصف ثروات العالم بيد 1% من سكان العالم، موضحة أن قيمة هذه القلة القليلة تقدر بنحو 110 تريليونات دولار، وهو ما يفوق بخمس وستين مرة ثروة نصف سكان العالم الأقل فقرا, وتابعت المنظمة أن فجوة التفاوت الاقتصادية بين الأغنياء والفقراء آخذة في الاتساع في كل من البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء، محذرة من أن تركز الثروات في يد قلة يهدد الاستقرار السياسي ويؤدي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية، وأشارت المنظمة إلى أن تقريرا حديثا للمنتدى الاقتصادي العالمي اعتبر أن اتساع التفاوت في الدخول هو ثاني أكبر المخاطر التي تتهدد العالم في الأشهر الاثني عشرة إلى الثماني عشرة المقبلة.
واقترحت أوكسفام على المشاركين في منتدى دافوس من الأغنياء إجراءات أبرزها عدم التهرب من دفع الضرائب في بلدانهم أو البلدان التي يستثمرون فيها، وعدم توظيف ثرواتهم للحصول على نفوذ سياسي يقوض أسس الديمقراطية، والكشف بشفافية عن كل استثماراتهم في الشركات والصناديق الاستثمارية.
ولكن الذي يميّز هذا التفاوت في الدول النامية هو قيام الحكومات والمسؤولين سلب الكثير من المواطنين خاصّة الفقراء منهم لحقوقهم في فرص العمل والرعاية الصحيّة والتعليم الجامعي في حين تمنح تلك المزايا للمسؤولين والمحظوظين وابناؤهم دون رقابة فاعلة او ضمير يحاسب او اخلاق تردع .
واكثر ما يشعر بتلك السياسات التي تقوم على الشلليّة والمحسوبيّة هم فئة الشباب التي تعمل لبناء مستقبل وأسرة وتأخذ مكانه عضوا فاعلا في المجتمع تبحث عن فرص للإبداع والتميّز وعندما تصطدم بتلك الحواجز البيروقراطيّة الممزوجة بكثير من الظلم وعدم المواساة واحيانا بتكميم الأفواه وكبت الحريّات والإقصاء والحرمان من الفرص المتاحة فإنّ هذه الفئة من الشباب يسترخصون الحياة ويستطيبون الموت وللهرب من ذلك اليأس تصبح اي فرصة للإغتراب هي بمثابة صيد ثمين وقارب نجاة لهم لبناء حياتهم بعيدا عن اوطانهم يستحملون مرارة العيش ولوعة البعد بحثا عن عدالة مفقودة ومساواة ضائعة ورغبة جامحة للظلم لدى المسؤولين في اوطانهم خشية ان تضيع كراماتهم من اجل لقمة العيش لزوم استمرار الحياة في عالم اصبح مليئا بالظلم والقتل والتيه والضياع .
اللهم احفظ الاردن ارضا وشعبا وقيادة واجعل هامات اهله ورؤوسهم مرفوعة على الدوام ورايته خفّاقة في السماء .

7/ 3 / 2015