انحطاط أخلاقي سياسي
ما كتبه النائب السابق والناشط السياسي علي الضلاعين، عن وزيرة الاتصالات السيدة مجد شويكة، لا يمسها هي وحدها، بل هو مسيء لكل الأردنيات والأردنيين، بما يستدعي الرد عليه فورا بالقانون، عبر تحريك دعاوى قضائية ضده من قبل كل من يملك عقلا راجحا.
فالبعض ما يزال لا يرى في النساء إلا عورة، تبرر نظرة دونية وتوصيفات مقززة بحقهن. وهو ما تجسد في محاولة هذا البعض النيل من شويكة، وكل النساء، استناداً للمظهر الخارجي لا غير.
ليس الضلاعين وحده من قيّم الوزيرات بناء على شكلهن، لكنه "تميز" في جرأته بالإساءة العلنية. وكل من يزجّي المديح لوزيرات، أو يتهافت على ذمهن وحتى قدحهن، بناء على مظهرهن الخارجي، لا يعدو أن يكون كائنا يخجل المرء الإنسان السوي، رجلاً كان أو امرأة، من أن يكون في مجتمعه.
بعد التعديل الحكومي الأخير على وزارة د. عبدالله النسور، عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بكثير من التعليقات المرتبطة بالسيدات الوزيرات تحديداً، حملت في غالبيتها العظمى مديحا وذما لا يرتبطان بأدائهن، بل تركزت تلك التعليقات، لشديد الأسف، على الشكل دون المضمون.
هكذا، لم يرَ البعض في التعديل الحكومي أكثر من فستان لوزيرة الاتصالات، بهدف التجرؤ عليها، وفي سابقة تعكس خسة وانحطاطاً، ليسا أكثر من رأس جبل التخلف الذي يحكم تقييم هؤلاء للنساء، إذ يكون معيارهم الشكل والملبس وحدهما، لا الأداء.
أما إذا ادعى البعض أن هكذا إسفاف وانحطاط هما من باب المعارضة السياسية، فيكون حقاً لنا القول أن بئس هكذا معارضة وبئس ناشطوها الذين يتطاولون على الآخر، منتهكين خصوصيته، ومعتدين عليه ولو معنوياً، من دون أن يرف لهم جفن، بعد أن تجردوا من كل وازع أخلاقي.
لكن ليس الجهل وحده من يفسر هكذا انحدار، فإلى جانبه يجلس مرض نفوس يفاقم الحال السيئة التي بلغها البعض عندنا. إذ كيف يمكن فهم تجرؤ كائنٍ من كان على الطعن بأخلاق إحدى الوزيرات، ووصفها بأقذع الأوصاف، إلا أن يكون معبراً بذلك عما يعتريه من اختلال إنساني عميق، فوق الأخلاقي؟
شخصيا، لا أعرف النائب السابق علي الضلاعين، وأتمنى أن لا أعرفه يوماً. لكن ما صدر عنه بحق الوزيرة شويكة تجاوز، ابتداء، كل حدود الأدب، وخرج تماماً عن أي نقد سياسي مباح. كما أنه، وبما لا يقل أهمية، عبّر عما يحمله من سوء تجاه النساء عموماً، فكان أن أهان كل سيدة حرة. وعلى كل صاحب فكر متنور أن يتحرك ليقول كلمته، فالصمت تجاه مثل هذا السلوك الجريمة، هو جريمة أيضاً، تسمح لأصحاب الفكر الرجعي المتخلف بالتمادي أكثر.
وعلى جميع مؤسسات المجتمع المدني والقانونيين المحترمين التحرك ضد هذا التطرف. إذ إن التطرف لا يقتصر على "داعش" وأخواته، بل له نظراء بأوجه كثيرة ومتعددة. فالحرية لا تعني أبدا، ولن تعني يوماً، المسّ بكرامة الناس؛ كما أن التطاول على الأردنيات بكلمات مخزية مقرفة، لا يُقدم عليه صاحب منطق وخلق ولو بالحد الأدنى. وليس يحق كذلك لأي كان التشهير بالآخر، متجرداً من كل أخلاق، بل ومحاولة اغتياله معنوياً، بحجة المعارضة السياسية. ومؤسف أن نضطر للقول لحامل لقب "ناشط سياسي" أن ليس هذا بمعارضة، دع عنك أنه يخرج على كل قيم وأخلاق يعرفها مجتمعنا، بصغيره وكبيره.
المرأة حين تتولى موقعا عاما لا تكون بمنأى عن النقد المهني والتقييم الموضوعي، بل هما مطلب طبيعي للتطوير والإنجاز من قبل النساء القادرات المؤهلات، كما هو حال الأردنيات فعلاً. أما أن ينحدر البعض إلى مستوى الإساءة والتشهير، وفقط لأن شاغلة المنصب سيدة، فليس يكون هذا إلا تعبيرا عن الانحراف الذي بلغه هذا البعض. وهو انحراف يتطلب العلاج والتقويم، بالقانون أساسا.