المأزق الفلسطيني
ثمة إقرار لدى قطاع واسع من قيادات وكوادر فصائل وأحزاب المقاومة الفلسطينية ، أن المشكلة الذاتية داخل الجسم الفلسطيني ومعضلاته لها الأولوية على ما عداها من تحديات سواء نحو تفوق المشروع الإستعماري الإسرائيلي ، وعنصريته ، ودعم الطوائف اليهودية المتنفذة له ولبرامجه التوسعية ، إلى جانب إنحياز الولايات المتحدة الأميركية التي تشكل غطاء لسياساته ، أو بسبب ضعف معسكر الأشقاء العرب والمسلمين والمسيحيين والأصدقاء على المستويات العربية والإسلامية والدولية ، الداعمين للمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ومحدودية إسناده .
والمشكلة الذاتية الفلسطينية أنها ما زالت تفتقد للعناوين الثلاثة الضرورية لمواصلة مسيرتها ، وهي :
أولاً : المؤسسة التمثيلية الموحدة ، كي تكون منظمة التحرير ، كما كانت ، وكما يجب أن تكون ، جبهة وطنية متحدة لكل الفصائل بما فيها حركتي حماس والجهاد ، والتيارات والأحزاب والشخصيات الفاعلة والتمثيلية لكافة مكونات وتجمعات الشعب العربي الفلسطيني ، في مواقع تواجده الثلاثة : 1- في مناطق الإحتلال الثانية عام 1967 ، أي الضفة والقدس والقطاع ، 2- في مناطق الإحتلال الأولى عام 1948 في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة ، 3- في بلدان الشتات واللجوء والمنافي .
ثانياً : برنامج سياسي مشترك ، يشكل قاعدة اللقاء بين مختلف الفصائل في إطار منظمة التحرير ، وعنواناً لتحركها الكفاحي بإعتبارها المظلة الموحدة التي تجمع الكل الفلسطيني داخلها وضمن مؤسساتها الثلاثة : المجلس الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية ، وعلى أساس البرنامج المشترك ، وأمام المستويات الوطنية والقومية والدولية كافة .
ثالثا : أدوات كفاحية متفق عليها ، سواء كانت الكفاح المسلح ، أو الإنتفاضة الشعبية ، أو المفاوضات ، وهي أدوات ضرورية تكميلية ترافقية يجب الأتفاق عليها أو على بعضها ، لا يجوز لأي طرف فلسطيني أن ينفرد في إستعمال أي أداة نضالية لم يتم الأتفاق عليها ، ويجب أن تكون ضمن البرنامج السياسي المشترك ولخدمته وبهدف تحقيقه ، أي لا يجوز أن ينفرد طرف بالمفاوضات ، أو أن ينفرد بتنفيذ أي عمل مسلح ، أو أي شكل من أشكال العمل خارج إطار البرنامج السياسي ، وخارج الأدوات الكفاحية المتفق عليها مسبقاً .
ولا زالت الحركة الوطنية الفلسطينية تواجه ثلاثة عناوين محبطة لبرنامجها الوطني الديمقراطي الذي يهدف إلى إستعادة كامل حقوق الشعب الفلسطيني ، غير القابلة للتصرف أو التبديد وهي حقه في الإستقلال وفي العودة وفي إستعادة ممتلكاته في المدن والقرى التي ُطرد منها عام 1948 ، والعناوين الثلاثة هي : 1- الإحتلال ، 2- الأنقسام ، 3- العجز المالي والمتمثل بالمديونية وفي عدم القدرة على تغطية إحتياجات الحياة على الأرض ، ويؤدي إلى الأخلال بالصمود داخل الوطن ، وعدم توفر الرواتب ، وحصيلة ذلك يجعل مؤسسات السلطة الفلسطينية أسيرة للقرار الإسرائيلي سياسياً وأمنياً وإقتصادياً ومالياً ، فالمشروع الإستعماري الإسرائيلي يسعى لجعل الأرض الفلسطينية طاردة لأهلها وشعبها وغير قادرة على إستيعابهم وتلبية إحتياجاتهم ، مما يستوجب من منظمة التحرير وسلطتها الوطنية ، جعل الأرض جاذبة لأهلها ، رغم مرارة العيش وكلفته .
المجلس المركزي ، بتكويناته وتعددية الأطراف السياسية والحزبية وتلاوينها المختلفة ، المشاركة به ، مطالب ، في البحث والإهتمام ، بالعناوين تلك ، وإيجاد المداخل العملية لمعالجتها ، وإلا سيبقى الشعب الفلسطيني أسيراً ليس فقط لسياسات الإحتلال ، بل سيبقى أسيراً للضعف والأحادية والترهل التي تتحكم بمسيرته ، وبقيادته وبمؤسسته الشرعية الوحيدة ، وتحول دون مبادراتها وإعاقة الوصول نحو الهدف المثلث بالمساواة والعودة والإستقلال .
h.faraneh@yahoo.com