حين ينفد صبر الملك والناس!
من يقرأ رسالة الملك لرئيس الحكومة ، يوقن تماما أن الملك أخذ كل (أو جُل) المطالبات التي رفعتها الفعاليات الشبابية والحزبية والإصلاحية ، ووضعها في رسالة شديدة اللهجة ، وبالغة الوضوح ، ونافدة الصبر أيضا ، وكل ما ورد فيها يؤكد أن: الملك يريد إصلاح النظام ، ولم يبق إلا أن يرفع جلالته هذا الشعار ، و"يعتصم" على الدوار الرابع ، بل هيىء لي أنني قد أرى الملك متخفيا في اعتصام الغد ، أو يوم الجمعة ، يهتف مع المتظاهرين: الشعب يريد إصلاح النظام،.
مضامين الرسالة الجديدة لم تغب كثيرا عن كتب التكليف المتعاقبة للحكومات ، طوال العقد الأخير ، كما كانت حاضرة بقوة في الخطاب الملكي والحكومي أيضا ، على نحو أو آخر ، ومع هذا لم نشهد قفزة نوعية على طريق تحقيق هذه المطالب ، لكأن ثمة آذانا صماء لا تسمع ، وعيونا عمياء لا ترى ، ومعاول ماضية مجتهدة لهدم كل أمل في الإصلاح ، الملك في رسالته تحدث بصراحة عن هؤلاء ، الذين يقاومون الإصلاح بشراسة ، وهم ثلاث فئات ، كما قال الملك ، قوى تشد المسيرة إلى التراجع ، وأخرى تحيطها بأفكار لا تتناسب والتقدم ، وثالثة تنتهز الظروف لتجنح إلى الفساد على حساب مصالح شعبنا وتقدم شبابه بطاقاتهم الخلاقة ، فمن هذه القوى الرجعية التي لا تحمي النظام ، بل تدفع باتجاه تآكل مصداقيته ، وتبني سدا منيعا بينه وبين أبناء شعبه؟ أهي أشباح أم خفافيش ، أو كائنات فضائية ، أم أثيرية لا تُرى بالعين المجردة؟ من هم هؤلاء الذين لا يستمعون إلى كلام الملك ويحاربون النظام من داخله ، ويبددون آماله وأحلامه في بناء أردن جديد ، بشر به منذ اليوم الأول لتسلمه سلطاته الدستورية؟ ولم لا تجتثهم الحكومة اجتثاثا ، قبل ان تهوي بنا البلد إلى منزلق طيني رهيب؟.
ثمة مثل صارخ على هذا المنحى التدميري ، الذي يستهدف إضعاف مؤسسة العرش ، والحكومة أيضا ، قصة سحب الجنسيات مثلا ، أو منحها ، بوجه غير قانوني ، فكل رموز الدولة تعهدت عشرات المرات بتجميد قرارات سحب الجنسية ، لكن الجنسيات لا زالت تسحب ولأسباب غير قانونية ومن قبل موظفين صغار وبشكل يومي ومزاجي ، رغم ان وزير الداخلية تعهد علنا بعكس ذلك ، عبر الصحافة المحلية والعربية ، كما قال رؤساء لجان البرلمان خلال اجتماع ملكي مغلق بأن التوجيهات تقضي بتجميد السحب ، إلا أنه لم يزل مستمرا ، وهذا ما دفع الملك ليخص هذه القضية بنص صريح ، قال فيه أن "الدستور ضمن المساواة بين أبناء شعبنا ، ووفق قرار وتعليمات فك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية تم التعامل مع بعض الأفراد والأسر الأردنية بطريقة مست حقوق المواطنة الأردنية ، وإنني أؤكد هنا أن الأردن لجميع الأردنيين ، ولن يفقد أي مواطن حقوقه التي كفلها الدستور والقانون ، وأدعو لدراسة ملفات كل من لحقه غبن أو ظلم ، مع تأكيد حرصنا الدائم على دعم صمود أشقائنا في فلسطين الحبيبة ، وتمسكنا الثابت بحق العودة المقدس" هل ثمة كلام أكثر وضوحا من هذا؟ ترى ماذا تقولون فيمن يخالف هذا الأمر الملكي؟ هل يريد حماية البلد وأمنها واستقرار جبهتها الداخلية ، أم يريد تخريبها؟ وقل مثل ذلك عما سماه الملك "استقلال الجامعات وضمان حرياتها الأكاديمية والفكرية والإبداعية" حيث تضمنت الرسالة كلاما واضحا لا لبس فيه ، موجها تحديدا للحكومة وجميع المؤسسات المعنية بكف يدها عن الطلبة ، ، ، فقال بالحرف الواحد: (..وإنني أوجه الحكومة وجميع المؤسسات المعنية أن يتوقف ما يشكو منه أبناؤنا في الجامعات من تدخلات في شؤونهم واتحاداتهم الطلابية وتفكيرهم السياسي ، فهذا زمان جديد لا يقبل مثل هذا... وقد أكدت للشباب الذين حاورتهم أن حريتهم مصونة وأن كرامتهم من كرامتي.. وعليه فإنه يجب اتخاذ إجراءات فورية لإنهاء أي تدخل من أي جهة كانت في شؤون الجامعات ومعاهد العلم..).
رسالة الملك تضمنت الكثير مما يستحق الوقوف عنده مليا ، بحزمها ووضوحها ، وختمها بكلام حازم جازم: الملك لن يلتمس بعد اليوم عذرا للتأخير في دورة الحياة في عروق الإصلاح السياسي والاقتصادي ، كم يوما سنصبر - ويصبر الملك - على الحكومة ، وبطء عملها ، وعدم استيعابها لمطالب الناس ، ونفاد صبر الملك والناس أيضا؟