هوية الدولة الأردنية
أعتقد أن رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور كان يقرر بديهية مستقرة عندما أكد أن الدولة الأردنية ليست دولة دينية وليست دولة علمانية بل دولة مدنية.
لكن مجموعة كبيرة من النواب المحترمين ظنت أن الرئيس وقع في زلة لسان تعطيهم الفرصة لاتهامه بتجريد الأردن من الدين، بمعنى أن رأيهم أن الأردن دولة دينية.
الحُـكم هو الدستور الذي أقسم الجميع على الولاء له وحمايته، فهو يؤكد أن الأردن ليس دولة علمانية بدلالة النص على أن دين الدولة هو الإسلام، وهو نص بديهي طالما أن الأغلبية الساحقة من المواطنين تدين بالإسلام، والاردن جزء من قلب العالم الإسلامي، وعضو مؤسس في المؤتمر الإسلامي العام الذي يضم نحو 55 دولة، يقطنها حوالي ربع البشر. ولكن هذا لا يعني أن الدولة الأردنية دولة دينية، بل دولة قوانين وضعية يصادق عليها حضرات النواب المحترمين، وتمر من تحت أيديهم، ولعلهم سمعوا بما أكده الإخوان المسلمون، مراراً وتكراراً من أن تاريخ الإسلام لم يعرف الدولة الدينية.
نصوص وروح الدستور تشير إلى دولة مدنية، بمعنى أنها دولة مواطنيها بصرف النظر عن اختلافهم في الدين أو الجنس أو أية اعتبارات أخرى فالأصل هو المواطنة وما يترتب عليها من حقوق وواجبات متساوية أمام القانون.
من المحزن أن يحاول كثيرون امتطاء صهوة الدين ليس حباً به بل كأداة سياسية لتمرير أهدافهم، وبالمناسبة أذكر أن الدستور السوري الذي أعد في عهد حكم البعث العربي الاشتراكي قبل الانشقاق، نص على أن الإسلام دين الدولة. وبما أني كنت أحضر مؤتمر الحزب في دمشق تحت اسم مستعار هو مهند، ُيخفي شخصيتي فلم أشعر بالحرج إذ توجهت بالسؤال إلى وزير الدفاع في ذلك الوقت وعضو القيادة القومية أو القطرية (حافظ الأسد) عن أسباب وضع هذا النص الذي لم يرد في دستور الحزب، فضحك وحلف (بالله العظيم) أن الأستاذ ميشيل عفلق هو الذي فرض عليهم هذا النص وهدد بالانسحاب إذا لم يأخذوا برأيه، ولا اعتقد أن عفلق كان مهتماً بأسلمة الدولة البعثية، ولكن كل شيء جائز في السياسة.