زيادة عددية في أحزاب غير فاعلة
باتت فكرة تأسيس حزب سياسي أردني تستهوي كثيرا من الأردنيين في الآونة الأخيرة ،وأصبحت هاجسا يسيطر على خاطر الكثيرين ! و لعل مبلغ الدعم النقدي الذي تدفعه الحكومة للأحزاب السياسية سنويا يشكل دافعا رئيسيا لمثل هذه المساعي التي تفتقر الى التجربة والفعل السياسي الحقيقي ، وكأن مبلغ الدعم مخصص لنفقات المؤسسين الشخصية وليس الحزبية ! .
يتعين على الحكومة ، ممارسة دورها وتبني استراتيجية فعلية على أرض الواقع ، تسهم في احداث تنمية سياسية حقيقية ، تستند الى توسيع هامش الحرية، والتعبير عن الرأي، وتعزيز قيم الديمقراطية ، وعدم الاكتفاء بالشعارات ، وتعزيز الوعي المجتمعي بالأهداف من وراء تأسيس أحزاب تشارك في صنع التغيير .
فما الذي أحدثته وزارة التنمية السياسية منذ تأسيسها حتى الآن !؟ نحن لا نريد زيادة عددية في الأحزاب الموجودة ، ولكننا نريد أحزابا سياسية فاعلة وقادرة على استقطاب الأعضاء الجدد من خلال تعزيز قناعات المواطنين ببرامجها القوية والمؤثرة .
قبل عملية السير في اجراءات تأسيس حزب جديد ، يتعين على المؤسسين القاء نظرة موضوعية متفحصة دارسة للأحزاب الموجودة على الساحة الأردنية ، وما الذي قدمته ؟ وما هو العدد الفعلي للمنتسبين الجدد ؟ فلا يعقل أن يقتصر عدد أعضاء الحزب على العدد الذي يشترطه قانون الأحزاب الأردني والبالغ 500 مواطن من سبع محافظات ، منهم 20 بالمائة من النساء .
فالحزب القوي والفاعل الذي يملك برنامجا سياسيا يلقى استقطابا من كافة فئات المجتمع ، ينبغي أن يزيد عدد المنتسبين اليه سنويا ، والا فان الأمر شبيه بتشكيل هيئة ثقافية جديدة أو جمعية خيرية فائضة عن الحاجة، تؤخر ولا تقدم .
الحزب الهادف هو الذي يستقطب أعدادا جديدة سنويا ، من خلال نشاطاته العامة وانخراطه الحقيقي في العمل السياسي ومواقفه ورؤاه حيال مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية .
الا أن القاء نظرة سريعة على أغلب الأحزاب الموجدة ، يجعلنا نلمس بعدها الحقيقي عن محاكاة تطلعات وأحلام المواطنين في وجود أحزاب سياسية تتبوأ دورها المناط بها في متابعة مجريات الأحداث المتنوعة، سواء منها المحلية أو الاقليمية أو الدولية ، بل على العكس تماما نجد أن أغلب تلك الأحزاب تواجه قصورا سياسيا في التعاطي مع المستجدات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولا تقوم بأي دور ،باستثناء تنظيم بعض المحاضرات المحدودة والتي يقتصر الحضور فيها على عدد محدود من الأعضاء المؤسسين.
هذه الأنشطة المحدودة التي تقوم بها الأحزاب تستطيع أي جمعية خيرية أو هيئة ثقافية أو أي منظمة أهلية تنظيمها ، وقد يكون بشكل وصورة أفضل مع مراعاة استهداف فئة أوسع من المواطنين .
قد يبدو مفهوما أن يأتي مواطن له تجربة سياسية طويلة أو ثقافية أو حتى اسهامات اجتماعية يشهد له بها، ويحمل في ذاته بذورا لأفكار ريادية لتأسيس حزب سياسي يسهم في تنمية الحياة السياسية وتحقيق النهضة المجتمعية التي نصبو اليها .
ولكن النظرة الموضوعية المعمقة والمحايدة ، تبرز أن معظم الطامحين لهذه الأدوار السياسية الوهمية ،يبرزون فجأة من بيئة لا علاقة لها بالسياسة ولا بالأحزاب ، بل هم مجرد أشخاص متقاعدون في خريف عمرهم البيولوجي ، يبحثون عن وسائل لتزجية الوقت ولاضفاء مزيدا من الأهمية تتمحور حول ذواتهم المتضخمة غرورا و المفتقرة لأي تجربة حزبية أو خبرة سياسية أو حتى لدور مجتمعي حقيقي .