هل بدأ العدّ «العكسي» لاتفاق نووي.. مع إيران؟
فيما تراقب عواصم دولية واقليمية عديدة عن كثب، محمول على قلق وتوجس ومخاوف جمّة وبخاصة اسرائيل وبعض الدول العربية، ما ستسفر عنه جولة مباحثات «الثنائي»، الذي لا يبدو انه يملّ أو يكلّ من عدسات المصورين ورحلات الطائرات المرهقة، ونقصد هنا جواد ظريف، وجون كيري في مدينة مونترو السويسرية.. وفيما يُطلق بنيامين نتنياهو آخر «سهم» في جعبته امام الكونغرس الاميركي بمجلسيه، حيث قاطع ربع اعضاء الحزب الديمقراطي هذا الخطاب ما يعني انعدام قدرة انصار الدولة الصهيونية (من الحزبين) على توفير ثلثي الاعضاء لإبطال «فيتو» الرئيس أوباما، على أي قرار من الكونغرس وخصوصاً بفرض عقوبات جديدة على إيران.. يبدو مشهد المفاوضات وكأنه يقترب من «فصله» الأخير، بعد ان لم يعد ثمّة ما يعوق هذا الاتفاق، وفق الاشارات والرسائل التي تخرج من عواصم منتدى «الستة»، ما بالك من طهران التي ابدت مرونة لافتة، سواء في التصريحات «المثيرة» التي ادلى بها «صاحب القرار الأخير»، آية الله علي خامنئي، حول موافقته على «أي قرار» لا يضرّ بمصالح إيران، أم تلك التي ادلى بها رئيس الدبلوماسية الإيرانية صاحب الابتسامات الكثيرة جواد ظريف عندما قال: إن طهران ستذهب إلى «أقصى» حد ممكن في المفاوضات مع الوزير كيري، لكنه لفت الى مسألة مهمة - ويبدو انها ليست مناورة او لارباك الآخرين وعلى رأسهم الأميركيين، لانه - ظريف - يعلم ان هناك (في ايران) من يتربص وبرئيسه الاصلاحي حسن روحاني، في معسكر المحافظين الذين يعارضون تقديم اي تنازلات في الملف النووي ويشكّكون في صدقية الاميركيين، وبالتالي فان روحاني وظريف يعلمان انه بدون رفع العقوبات وخصوصاً الاقتصادية على ايران، فإن الجهود التي بذلاها ستضيع هباءً وتُسهم في اضعاف معسكر الاصلاحيين لصالح المتطرفين، الذين هم في حال طوارئ ايضا في ظل احاديث - غير مؤكدة - عن تدهور صحة المرشد الروحي خامئني وظهور بوادر على صراع بين معسكرات «الورثة».
ظريف إذاً قال عشية المفاوضات التي ستبدأ في مونترو: العقوبات والاتفاق لا يستقيمان، وإذا «هم» أرادوا اتفاقاً، يتعيّن ان تذهب العقوبات، مُحمّلاً في الآن ذاته المعسكر الغربي المسؤولية في التوصل الى الاتفاق العتيد او انهيار المفاوضات: «..اذا ابدت الولايات المتحدة ودول غربية اخرى ارادة سياسية (كافية).. ووافقت على رفع العقوبات، فان الاتفاق سيوقّع قبل نهاية الاسبوع الحالي» حَسَمَ ظريف..
فهل نضجت الظروف فعلاً، واقترب ماراثون المفاوضات من «المِيل» الاخير من السباق؟
الترجيحات تميل لصالح سقوط آخر الصعوبات امام اتفاق كهذا، ويبدو ان ما كشفه الرئيس الاميركي باراك اوباما في مقابلته مع وكالة رويترز بعد خطاب نتنياهو امام اقوى وابرز لوبي يهودي على الساحة الاميركية (ايباك) مؤشر على ذلك، اذ قال ساكن البيت الابيض الذي يواجه حملة «تقزيم» واستعداء غير مسبوقة على رئيس اميركي من قبل دولة «أجنبية»، تعتمد على اميركا في امنها واقتصادها وبقائها ايضاً: ان على ايران ان تُجمد برنامجها النووي لمدة «عشر سنوات» على الأقل، كي يتم التحقق من أنها لا تعمل لصالح برنامج نووي عسكري.
ليست مسألة السنوات العشر التي يشترطها اوباما (بافتراض انها شرط لازب، ولكنها رفضته فوراً)، ذات قيمة عند طهران، التي نجحت في ايصال برنامجها النووي الى مرحلة متقدمة وفق تقديرات وكالات واجهزة استخبارات عديدة، سواء كانت معادية لايران ام محايدة، الامر الذي يصفه الاسرائيليون بأنه وصول ايران الى مرحلة اعتبارها «دولة حافة نووية» ولهذا يقودون حملة تخويف وتهويل هيستيرية، يراد منها نسف المفاوضات والتأسيس لعمل عسكري اميركي اسرائيلي مشترك او منفرد (عند وصول الرئيس الاميركي الجديد بعد ثمانية عشر شهراً من الآن)، وهو امر لا يبدو مؤكد الحدوث، سواء كان القادم الجديد الى الابيض ديمقراطياً ام جمهوريا، لأن المدة المتبقية لاوباما في ولايته الاخيرة ستكون حافلة بالتطورات والمتغيرات الدراماتيكية وبخاصة على صعيد الاقليم وتحديداً مستقبل الحرائق المشتعلة في كل من سوريا والعراق وخصوصاً اليمن (دع عنك ليبيا، الذاهبة بتسارع الى الفوضى والمجهول)..
ثمة قلق في بعض العواصم العربية ايضاً من احتمالات ماثلة لاتفاق بات وشيكاً -رغم كل الغموض- والتشاؤم «النسبي» وربما المقصود الذي ابداه جون كيري عندما قال: ان الطريق للمضي قُدُمُاً والوقت يمر، رغم اعترافه بأن بعض التقدم قد تحقق، لكن التأثير العربي - كما الاسرائيلي - سيكون محدوداً اذا ما «قرّر» السيد الاميركي.
مناورات وتصريحات متناقضة، ورفع مقصود للسقوف وكلها بقصد تحسين شروط التفاوض والحصول على مزيد من التنازلات من الطرف الآخر، لكن لعبة شراء الوقت توشك ان تنتهي، فالرابع والعشرون من آذار يقترب، ونحسب ان الامور ستتضح قبل ذلك.. بكثير.