قبل أن تغرق سفينة الإعلام


 

مثلما هو الحزم والقرار الراشد الذي أدارت به الدولة ملفات صعبة خلال السنوات الأخيرة فإننا نحتاج إلى ذات النهج في إدارة ملف الإعلام أحد أهم أسلحة الدولة، لأن الأمور وصلت نتيجة تراكم المشكلات وغياب الحلول الحقيقية إلى مرحلة خطيرة حيث المراحل القادمة تعني أن تغيب بعض المؤسسات أو أن يغيب دور وتأثير مؤسسات أخرى أو تعيش مؤسسات تلهث شهراً وراء شهر لضمان تأمين المتطلبات الأساسية للاستمرار.
سأتجاوز ما كان حتى لا نغرق في توجيه أصابع الاتهام بالمسؤولية عما هو اليوم، ولن أتحدث عن الاستراتيجيات والخطط لأن هذا الورق يحتاج إلى مؤسسات قوية لتنفيذه وتحويله إلى واقع لكنني سأتحدث عن حاضر لا يحتاج إلى تشخيص، لأن الجميع يعلمون الحال، وفي مجالس المسؤولين عدم رضى ونقد لإعلام الدولة كله المرئي والمقروء، وجزء من نقد إعلام الدولة مديح لإعلام خاص لا تنقصه المشكلات والعيوب لكنه يملك بعض هامش الحركة.
فعلى صعيد الصحف اليومية القريبة من الجهات الرسمية فإن هناك في داخل كل صحيفة مشكلات ووقائع صعبة، ولعل مشكلة الزميله الدستور أحد الأمثلة حيث تواجه سؤال البقاء والاستمرار، وهذه الصحف مثل عروس البحر فجزؤها العلوي شركات مساهمة، والضمان الاجتماعي هو الوجه المالي الرسمي، لكن نصفها السفلي مؤسسات رسمية من حيث المواقف والرسالة والدور السياسي، وحتى جزء من مشكلاتها فإنه جاء نتيجة قرارات حكومية عبر عقود مضت، من حيث التعيينات والاكتظاظ وأيضاً نوعية المسؤولين، فهي في جوانب من عملها جهات رسمية وحين يكون الأمر متعلقاً بوضعها المالي فهي شركات مساهمة، والضمان الاجتماعي يعمل بصفتين لكنه لا يريد دفع ثمن مالي لواقع هذه الصحف بعدما كانت في سنوات مضت تعود على المساهمين بالأرباح.
وحتى التلفزيون الذي يبذل كادره كل ما بوسعه لرفع مستواه فجزء من مشكلته مالية وبشرية، وهو يبحث عن موسم مثل الثلوج أو استشهاد الطيار ليحصل على الرضى، لكننا جميعاً ندرك أنه محل نقد حتى من المسؤولين، والسبب ليس واقعه اليوم لأن الحكاية طويلة.
ليست الحلول في تغيير مدراء أو رؤساء تحرير أو مجالس إداره فقط، لأن التغيير دون رؤية لملف الإعلام سيكون أشبه بالتنقلات الإدارية أو تبديل الكراسي، وسيرث كل مسؤول المشكلات وقد يفعل شيئاً أو لا يفعل بانتظار لحظة الاصطدام بلحظة لا حلول فيها .
الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي وصل إلى مرحلة لم يعد الحل بيد وزير أو حتى رئيس وزراء، ولم تعد عملية تغيير الأشخاص تحمل جديداً، ونخشى أن نصل إلى مرحلة نفقد فيها اعلامنا، فالحكومات تحب الاستفادة من هذا الإعلام لكنه لا يملك رؤية متكاملة للحلول، والضمان الاجتماعي أو صندوق الاستثمار تحول ملف المؤسسات الإعلامية لديه إلى عبء مالي وإداري، والرؤية الكلية غائبة، والحلول الجذرية ليست مطروحة، وإذا وقعت مؤسسة انتظرنا جميعاً لحظة خروجها من الحياة.
هذا الإعلام الذي نتحدث عن وضعه الحرج هو الذي يخوض معارك الدولة ضد الارهاب والمراهقة السياسية، وهو الذي يروج لسياسات الدولة وقرارات الحكومات حتى تلك التي لا يقتنع بها أحد، وهو الإعلام الذي يخضع للحساب مع أي خطأ حتى لو كان غير مقصود، هو سلاح الدولة المتخم بالمشكلات المالية والإدارية أو تراجع التأثير والحضور، والحل ليس كما يعتقد البعض بتسريح العاملين لأن هؤلاء ضحايا ولا يجوز أن يكون العجز عن إيجاد الحلول طريقاً للتفكير بمسار على حسابهم.
البقاء والاستمرار في التأثير ليس سؤالاً مالياً وإدارياً فقط بل سؤال مهني سياسي، ولا نريد أن نبقى جميعاً نراقب حالة الانهيار وتراكم المشكلات ونكتفي بالشكوى وشتم الواقع الرديء، وما نتمناه من الدولة ولا أقول الحكومة ولا الضمان الاجتماعي أن تضع ملف الإعلام على الطاولة بحسم وعمق فالحلول ممكنة، والأمر ليس معالجة ملف شركات متعثرة بل استدراك أسلحة الدولة، فليس سهلاً أن تبني مؤسسات كل يوم، والحلول ليست ذات أبعاد مالية فقط بل هي مصالح عليا للدولة ، فدعونا نعالج ملف مؤسسات تعاني قبل أن نصل إلى نعي مؤسسات تموت.