ماذا لو وصلت المعارضة والحكومة إلى الخطوط الحمراء والاصطدام

اخبار البلد- عمر شاهين- رفعت الأسقف السياسية اليوم إلى حد لم يكن متوقعا، وصار ما كان يحكى بالخفاء يناقش علنا وبأسماء حقيقية في موقع الفيس بوك، وتطور بان جهر بالمسكوت وتبادله المواطنون، وأكثر ما كان يعتبر من المحاذير هو الحديث عن صلاحية الملك والذي  كان يعتبر خطا احمر حافظ عليه الأردنيون كنقطة وصل بين المجتمع.دخل إلى ساحة الجدل والمطالب.

ومن الطبيعي أن تكون هذه الحرية المنفجرة غير منضبطة، من النخب المضغوطين والمكبوتين سياسيا والذين كانوا يسعون أشهر طويلة، فقط للحصول على إذن محافظ لإقامة  ندوة، بينما اليوم يظهرون متى يشاءون، ويتحدثون علنا،بما يفكرون به دون أي تحفظ، أو خوف من قوانين القدح والتعالي والذم وإثارة النعرات، وهناك المئات والآلاف الذين دخلوا الساحة السياسية حديثا وجهروا، بها علنا، معبرين عن ذهول في التعبير ، أو التنفيس من البطالة والأحاديث الحفية. ومواجهة الفساد بكل اريحية.

ومع ذلك يخطي من يظن أن سقف المطالب وصل إلى حده الأعلى ، أو نسف السقف أصلا، بعد أن قالها الشيخ زكي بني رشيد محطما كل الجدران، مهددا بعصيان مدني ومن ثم صرح في مكان آخر نريد "تحديد صلاحية الملك" ، فهذا المطلب، ليس سوى جزء بسيط من المطالب السابقة وحتى ما سبقها من مطالبة بتحديد دور المخابرات وإبعادها عن التدخل والوصاية كما طالب النقابيون وصحافيو الرأي وطلاب الجامعات.

 قريبا سندخل في فتح ملفات صعبة وحريات أكثر خطورة وهي تتعلق في تكوين المجتمع الأردني، من الداخل وتقاسم الحقوق، ودفع الضرائب، والمميزات، وغيرها ، من المكتسبات المتنازع عليها والتي كان يحاك الكلام فيها سرا، ويلمح فيها جهرا، ويتجنب الخوض العلني بها، إلا أنها ستخرج على السطح قريبا، ولا اقصد علاقة الشرق والغرب أردني أو من سيدافع عن جنسيات ما بعد فك الارتباط ومن سيطالب بقوننتها، و من سيطالب بحقه في نسبة واضحة في الأجهزة الأمنية، ومن سيطلب مثلا السؤال عن نسبة الثراء والمال لدى جهة أخرى، او مميزات عشيرة على عشيرة وسينتقل هذا للخلاف داخل العائلات نفسها. لا أريد أن استخدم أسلوب القذافي في التخويف من الإصلاح ولكنه واقع يطرح في كل دقيقة ولم يجهر به.

وهذه المحاذير اشد خطرا من نقاش سلطة المخابرات أو الملكية الدستورية ، لان هناك انقسام كبير جدا في تحديد سلطة الأجهزة الأمنية وتغولها أو التخفيف منها ، أو الملكية الدستورية ،ولكن التقسيمات الداخلية سوف تدخل إلى الشارع وتجبره على اتخاذا موقف واضح منها، وهذا، كله يختصر في تحقيق المطالب الشعبية المطروحة التي تجنب ازديادها، وارتفاعها، فهي اليوم واضحة بين والنخب والأحزاب ولكنها ستكون ضائعة حينما تنتقل إلى الشارع وتفقد ريموت التحكم.

 مع كتابة هذه الأسطر في الساعة الرابعة فجرا، سيكون دوار الداخلية على موعد مع اعتصام شبابي يخطط أن يكون مفتوحا، ومطالب المعتصمون ليست اعجازية بل حقيقية، وكان من الممكن اختصارها  لو بدأت التنفيذ ، منذ بداية المسيرات، ومحاولة منع نقل إعصار التغيير والغضب العربي، ولكن الشباب تعبوا من مسيرات الجمعة، ووجدوا ما يحدث، لا يزيد عن ابر تسكين وخداع، واكتشفت هذا الحركة الإسلامية التي سحبت ضغطها بعد أن لاحظت تحركات عشائرية ضد موقفها.

 أقيلت حكومة الرفاعي وجيء برئيس مرفوض شعبيا وإسلاميا، ولا يعتبر إصلاحيا، وهو معروف البخيت والذي لم يحرك ساكنا، بل زاد من غضب الشارع ،وحتى جلالة الملك شعر في ذلك ووجه له رسالة لم تكن لتوجه للرئيس لو التمس الملك ان مطالب الشارع تحق، وإذا صرحت معارضة بحكم توجان فيصل بان إحضار شاب مثل الرفاعي لرئاسة الوزراء كان أحد اكبر الأخطاء التاريخية في الأردن، فاني اخشي أن إحضار البخيت خطا و اكبر ضررا، فهو قدم بحكومة عجزة وكبار سن، بعضهم بالكاد يقدر على التحرك، والحراك الأردني يجد أن الفرصة قد تهرب من يده وهم يحصرون مطالبهم في محاكمة الفاسدين الذين سرقوهم وباعوا ممتلكات الوطن، وانتخاب مجلس نواب غير مزور، ورفع الوصاية الأمنية وهذا ليس إعجاز، ولكن بحكومة البخيت يخشى أن يتحرك المتظاهرون للتغير بأنفسهم.

 الأجهزة الأمنية بكافة فروعها ان كانت الأمن الوقائي التابع للأمن العام او جهاز المخابرات او الاستخبارات التي ترصد للجيش تراقب ما يحدث بعناية ، وبدقة، وتقيس كل تحرك قبل حدوثه، وحجمه مداه، وهناك حالة طوارئ مخفية، مع تنبيهات ملكية باستيعاب المرحلة بأكملها، ولن نستغرب إن كان الكثير من المعتصمين سيكون بينهم أجهزة أمنية في لباس مدني لاستشعار أي تحريض خارجي او داخلي متهور  وقراءة مكونات تلك الاعتصامات.

 طبعا لن تقبل الدولة بصناعة ميدان تحرير جديد، فالحالة المصرية والتونسية مختلفتان لان الجيش كان على خلاف مع تلك الرئاستين، بينما البحرين واليمن وليبيا وحتى سوريا الجيش موالي للرئاسة ، فكيف في الحالة الأردنية التي يوالي فيها الجيش وكل الأجهزة الأمنية ولاء مطلقا للقيادة، ولن يقلبوا تمادي في احتلال ميدان ورفد شباب له ونقل شعارات الفيس بوك إلى وسط عمان.فقد كان درس ميدان التحرير مؤلما حينما استهين به.

أتمنى كعاشق للوطن ألا نصل لهذا الامر، فالشارع لا يلب المستحيل وجلالة الملك منذ يومه الأول وليس من الأحداث الأخيرة، وهو يسعى إلى استعمال كل وسيلة إصلاح، ولكن النخب المتأكسدة والفاسدة تسع إلى منع هذا، وقد صرح جلالة الملك عبر لقاء متلفز في مؤتمر دافوس 2010 أنه يواجه هذا وكتب شرحا مفصلا في كتابه" فرصتنا الأخيرة: السعي نحو السلام في زمن الخطر».

 الأفضل اليوم وبسرعة حل مجلس النواب وحكومة البخيت، وتحقيق رسائل الملك، والاتفاق على حكومة مشتركة يقودها رجل يحظى بثقة شعبية عالية، فالسكوت يضيع الفرصة، والشارع أصبح يبث رسائل إلى الحكومة بان تضبط الشارع ، فكثرة المسيرات الاعتصامات ستضر في الأردن أكثر من نفعه، وستؤدي إلى هروب استثمارات وسياحة تهريب ما لم تضع النقوط على الحروف.

Omar_shaheen78@yahoo.com