نحو موقف إسلامي موحد لمحاربة الإرهاب.. مؤتمر مكة
يختلف مؤتمر»الإسـلام ومحاربة الإرهاب» الذي التأم الأحد الماضي في مكة المكرمة بمشاركة ما يزيد على 900 شخصية إسلامية وعربية، من حيث: الرؤى، والأفكار، والطروحات، والتوقيت، وكذلك ما يتمخض عنه من برامج عملية لمكافحته، وبيان موقف علماء الأمة ومفكريها من خطر انتشاره.
ولعل المتابع لوقائع المؤتمر يجد أن ثمة توجه جاد لموقف إسلامي عربي موحد، لمواجهة التطرف والغلو والتصدي له، وموقف علماء الأمة ومفكريها من خطر الارهاب الداهم، من خلال برامج عملية ممنهجة قابلة للتطبيق، وبالتالي كشف عورة الذين يسلكون هذا الطريق الظلامي.
ورغم انه ليس المؤتمر الإسلامي الأول الذي يطرح موضوع الإرهاب وموقف الإسلام منه، إلا أن المؤشرات الأولية تشي بأن ثمة ما هو جديد، كون المنطقة العربية تشهد أحداثا إرهابية دامية عبر ساحاتها الممتدة، وبات الوصول إلى موقف إسلامي عربي موحد أمرا ملحاً.
علماء الأمة أكدوا غير مرة، زيف ادعاء الإرهابيين، وحذّروهم من مغبة تشويه أفكار الناس، بما يخالف الشريعة الإسلامية السمحة، التي نادت وتنادي بمنهج الوسطية، والسماحة، التي تُعد سمّة بارزة من سمات الدين الحنيف، وان الخروج عن هذا المنهاج إنما يجلب على الأمة الشقاء والفرقة والبغضاء.
فالأمة الإسلامية أحوج ما تكون، إلى وضع حد لهذا الخطر الُمحدق الذي بدأ في التمدد من العراق، إلى سوريا ثم اليمن ومصر، وليبيا، وان لم يُكبح جماحه، عبر وسائل الإعلام من جهة، وإطلاق العنان لعلماء الأمة ومفكريها لتبني النهج الوسطي في الخطاب الإسلامي من جهة أخرى، وهذا بالطبع يُنير عقول الشباب الذين هم أكثر فئات المجتمع عرضة للتأثر بالأفكار المسمومة.
خطر الإرهاب على الإسلام، لم يعد مسألة تعكر صفو الأمة الإسلامية داخل حدودها فحسب، بل امتد هذا الخطر إلى العالم بأسرة، خاصة وأن تهمة الإرهاب التصقت بالإسلام، بعد أن أباح دُعاة التطرف والغلو القتل والنهب والغصب تحت راية الإسلام.
الأردن دولة إسلامية، تبنت موقفاِ إسلامياً معتدلاً، واحتضنت العشرات من المؤتمرات المماثلة، التي تدعو إلى نبذ التطرف والإرهاب، وهي من الدول التي ذاقت مرارة الهجمات الارهابية التي تعرضت لها في عام 2005، بحيث خلّفت عشرات القتلى والجرحى، وليس ببعيد استشهاد الطيار معاذ الكساسبة بهذه الطريقة الوحشية البربرية على أيدي عصابات داعش.
خطر الارهاب دفع جلالة الملك عبدالله الثاني إطلاق رسالة عمان في 26/9/1425هـ، الموافق 9/11/2004، التي أوضحت موقف الإسلام من الإرهاب، بصورة علمية منهجية، بإجماع علماء الأمة الإسلامية، وقد تبنت المؤتمرات العربية والإسلامية، الرسمية منها والشعبية ما حملته الرسالة، وأيدت مكافحة الإرهاب، ومعالجة أسبابه وقطع السبل على الإرهابيين.
كما أيّد مجمع البحوث الإسلامية، قرار حقوق الإنسان والعنف الدولي الذي عرّف الإرهاب بأنه:«العدوان أو التخويف أو التهديد ماديا أو معنويا الصادر من الدول أو الجماعات أو الأفراد على الإنسان، في دينه أو نفسه أو عرضه أو عقله أو ماله بغير حق بشتى صنوف العدوان وصور الإفساد في الأرض».
ما يهم في هذا المؤتمر انه عُقد في مكّة المكرّمة، وبتنظيم من رابطة العالم الإسلامي، وهذا يؤشر على إجماع العالم الإسلامي على نبذ العنف ومحاربة الإرهاب بشتى الصور، الإعلامية والدعوية والعسكرية؛ ولذلك فان تجفيف منابع الإرهاب منوط بالدول التي تنتهج الوسطية والتسامح وخاصة التي لها ارث حضاري وإسلامي، وتتحمل مسؤوليات تبصير الأمة لصورة الإسلام الصحيحة، التي جاء بها سيد الخلق محمد -عليه الصلاة والسلام -.