تصويب أوضاع الجماعة.. النزوة وحضور العقل

الحكومة الأردنية تحيل ملف تصويب وضع جماعة الاخوان على القضاء، وهناك من يسرب أن الحكومة لن يرمش لها جفن، وستدفع بإعادة التصويب في اتجاهين؛ تغيير في مضمون اللائحة الداخلية للجماعة، والأهم تحديد القيادة التي تملك الشرعية للعمل باسم الجماعة بعد التصويب.
الحكومة تجتهد أن تبدو أنها تتعامل وفق القانون ليس إلا، وأن عددا من الاخوان هم من تقدم لها بطلب التصويب، هذا من حيث الشكل، أما في الجوهر فالقاصي والداني يعلم ان الواقع غير ذلك؛ فحكاية التصويب بدأت من عند الحكومة ودوائرها، والزيادة -إذا ما وقعت- تحديد الجهة التي تقود الجماعة لن تكون إلا رغبة فجة للتدخل في امر الجماعة غير مأمونة العواقب.
اليقين أن المتقدمين بطلب التصويب لا يملكون قاعدة تنظيمية واسعة داخل الجماعة، ولا نصف ولا سدس واسعة. وفي «شورى الجماعة» لا وجود لأي عضو من بين الثلاثة وخمسين عضوا يؤيد الخطوة ولا يُدينها؛ ما يعني أننا بإزاء معالجة مكشوفة تسيء للحكومة اذا جانبت الحكمة، وتسيء لصورة الاردن واستقراره السياسي والاجتماعي إذا ما جانبت العقل.
من حق جهات حكومية ذات علاقة أن تطلب من الجماعة الاكبر في البلد أن تصوب ما تعتقد أنه خلل في ترخيصها إذا ما وجد، وأن تحدد الخلل الذي تراه في لوائحها، ولكن الخطاب سيكون لقيادة الجماعة، وتحت ضوء الشمس، والقانون هو الفيصل، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الجماعة تعمل في هذا البلد قبل إعلان المملكة، وتعاملت مع أربعة ملوك كلهم أشار في أكثر من مناسبة إلى أنها جزء اصيل من النسيج الوطني، وتواصل معها كل رؤساء الوزارات عبر أكثر من سبعة عقود في صلب الشأن السياسي، وليس في هوامشه.
مقاربة الحكومة فيما يخص الشأن الإخواني مرصودة، وسلوكها سيحدد ما إذا كانت المصلحة الوطنية وتنفيذ القانون هو الفيصل، أم النكايات والتربص وتسديد الحسابات.
ومن جهتي، ما زلت أراهن على عقل الدولة وحسن تقديرها أن لا تذهب الامور الى معالجات ثأرية سيدفع الجميع كُلَفها، وفي توقيت دقيق وحساس. فليست الجماعة وحدها من سيدفع ثمن أي قرار متسرع، لا يستحضر الانصاف والقانون، فمساحة الاعتدال والعمل العاقل ومنطق الاستيعاب والفهم من سيتم الاضرار به وتحطيمه، لصالح توفير دفيئة خصبة للافكار الظلامية والتطرف والنزق وانعدام الفهم.
من المفهوم والمستوعب ان يتم الحديث عن حاجة الجماعة والجميع في البلد لإجراء مراجعات عميقة في الفهم والسلوك، مراجعات تركز على قبول الآخر، واحترام حق التفكير والتعبير، وتعزيز ثقافة الشراكة والتعايش والانتماء للعصر، والابتعاد عن النزق والتطرف والانغلاق. أما غير المفهوم والمستوعب فأن تسود عقلية الثأر والتأزيم وتسديد الحسابات، في توقيت حاسم تترجم فيه المواقف إلى مصائر ناس وبلاد.
المسؤولية الوطنية تحتم على الجميع، حكومة وقيادة للجماعة ومخاصمين لقيادة الجماعة، تجاوز الأزمة على قاعدة احترام قيم العدالة: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، عبر مقاربة تستحضر المصلحة الوطنية، وتحصين الجبهة الداخلية في مواجهة التحديات، ولا تشكل نكوصًا عن التزام إرادة وخيار الاصلاح السياسي واحترام ارادة الناس.
ومن المهم أن نُذكر الحكومة إذا ما قررت أن تذهب الى نهاية الشوط في أمر التصويب الذي يحتاج للتصويب، إنها اختارت الوقت الخطأ، والعنوان الخطأ، فاليوم ليس هو ما قبل ثلاثة شهور ولا ما قبل سنة، فالرياض ودول الخليج تعاود موقفها من الاخوان، وأزمات السيسي ستفرض عليه مقاربة مختلفة فيما يخص العلاقة مع الجماعة، وما يجري حول الاردن وفي اكثر من جغرافيا عربية يقرع أجراسا كثيرة.
ولا يعقل أن الاردن الذي حافظ على علاقة عاقلة ومتوازنة مع الجماعة، ولعقود طويلة، شكلت علامة فارقة في سياق تعاطي السياسة الرسمية العربية، وأكدها في العام الاخير بصورة استثنائية، رغم العصف الشديد بالعقول والمواقف، لا يعقل البتة أن يفقد عقله في غير مناسبة، ومن أجل مراهقة او نزوة هنا او هناك.
العقل هو ما ينبغي أن يسود، ولغة الفهم والمصلحة العامة والاستيعاب واحترام القانون هو ما ينبغي ان يكون الفيصل في سلوك الدولة والحكومة وقيادة الجماعة والغاضبين على قيادة الجماعة.