الأنانية والتعصب
كيف لك أن تتعايش مع الأخر وأنت تحمل في طياتك الأنانية والتعصب ,؟وكيف لك أن تكون من عباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما..وأنت في ذاتك تقدس الأنانية والتعصب في منتهى صورهما ؟
أنت تريد ان يكون مجتمعك له وزنه بين الأمم . لكن انى لك ذلك . ؟
, هل يستطيع احد أن ينكر إن المجتمع العربي يعيش أزمات كبيرة أعظمها الأنانية والتعصب واكبر شاهد على طغيان الأنانية والتعصب على كل القيم الإنسانية والدينية الانقسام بين المناطق العربية فهي خير شاهد على ذلك وواضحة للعيان ,وهل تستطيع الجامعة العربية والتكتلات السياسية أن تلم شعثها وتحسم أمرها , وهل بمقدور والمجالس العربية الأخرى الخروج من هذه الفرقة . الم تتحول الجامعة العربية والمجالس الأخرى إلى هيئات تكرس الانقسامات وأصبحت بحد ذاتها مشكلة وليست حلا ومظهرا من مظاهر الانقسام .الم تتحول دول ما يسمى بالربيع العربي إلى ساحات للصراعات الحادة والدموية والتشظي والاقتتال مما يهدد بيت المجتمع داخل الوطن الواحد , وظهر فيه كل أنواع التفرقة المقيتة العنصرية والطائفية والمذهبية مما عقد من الوضع السياسي وفشله بإيجاد نظام يمثل كل مكونات المجتمع .
..........وهذه الأنانية والتعصب هما اللتان جعلتا المصالح الخاصة تطغى على المصالح العامة , وتطغى على القيم الإنسانية الدينية , وبالإضافة إلى ذلك فقد ترتب على الأنانية والتعصب أزمات أخرى مرتبطة بهما متمثلة باحتقار العالم لنا , فالعرب من وجهة نظر أي مراقب محايد هم مجموعة من البشر تنتمي إلى ما قبل التاريخ ,فما لم تظهر التصرفات الجماعية الايجابية بشكل فعال لإحياء ما أماتته حمى الصراعات المقيتة ويظهر ذالك بشكل فعال ,في كل الميادين الثقافية والفكرية وفي المؤسسات الدينية المناوئة للتطرف فالتطرف الناشيء من اتجاهات دينية لا يكسره سوى اتجاه دين مغاير . وما لم يتم الاعتراف بالأخطاء السابقة والحاضرة فانه من الصعب الدفاع عن هذا المجتمع العربي المتشظي بشكل عام واليمني بشكل خاص .لقد ترسخ لدى الآخرين ولدى كل مراقب محايد أن المجتمع العربي يحب الفخر ويفخر فيما ليس فيه يفخر في الدين ولا يلتزم به ,ويذم غيره أنهم لم يلتزموا بما انزل الله عليهم إنما هم كالحمار تحمل أسفارا " بينما هم يمارسون نفس السلوك ويدعي العصمة لنفسه ولا عصمة ...يقول عن الآخرين "إن بأسهم بينهم شديد " وفي الوقت نفسه يمارس هذا البأس الشيد فيما بين مكوناته بأعلى صوره , فيقتلون بعضهم بعضا أضعاف ما يقتله الآخرون منهم , لقد أخذ الله الميثاق على بني إسرائيل ألا يقتلوا أنفسهم ولا يخرجون أنفسهم من ديارهم ونحن نرى ذلك جرما كبيرا ثم لا يتورع البعض أن يمارسه بأبشع صوره يقول سبحانه وتعالى :
( وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ( 84 ) ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ( 85 ) أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون ( 86 ) ) فهل نحن المسلمون لنا العصمة . أم لا يلزمنا أن نلتزم بما أمر الله به غيرنا ؟
الم يقتل بعض المسلمين بعضهم بعضا أضعاف ما يقتله الآخرون منهم ,؟ والمخزي المبكي أن البعض يدعون إن ذلك إنما هو لعزة الإسلام والمسلمين .
الم نفرح بجلب المصائب والتأمر على بعضنا البعض ونشجع الآخرين على ذلك,؟ ونحسد الآخرين على ما هم فيه من الخير ونريد خرابهم ؟
, نتنازل بحقوقنا للآخرين ولا نقبل أن نتنازل فيما بيننا .
ولا نتسامح فيما بيننا ولا نتراحم ويحقر بعضنا بعضا .
ثم بعد ذلك يشتد غضبنا حين يحتقرنا العالم ونستجلب كل النصوص الدينية ,
وبكل أسف نطالب الآخرين تطبيق الإسلام في الوقت الذي لا نطبقه نحن ,
لقد جنينا على أنفسنا وعلى الإسلام الذي يتبرأ من أفعالنا وسلوكنا بل ونظلم الإسلام الذي ندعي مرارا وتكرارا انتماؤنا إليه .
ونتيجة لهذه السلوكيات والأفعال فان العالم لا يلتفت إلى ما ندعيه بألسنتنا ونخالفه بأفعالنا ,وبالتالي فالعالم لا يمانع أن تكون بلداننا العربية ميدانا للحروب بالوكالة , لقد تسبب المتطرفون بشكل رئيسي في تحويل بلداننا العربية والإسلامية إلى ميادين حرب بينهم وبين العالم ,وبينهم وبين إخوانهم في الدين والوطن , والنتيجة أن الخاسر العرب والأوطان التي فيها الحرب فمن تكن الحرب في بلاده فانه يخسر المعركة قبل بدايتها لان النتيجة المؤكدة هي تدمير هذه البلادان وتدمير جيوشها .وان هذا الفساد المستشري والناتج عن غياب العقلانية والرشد وظهور الأنانية والتعصب والتطرف ,لا يودي إلى فساد الدنيا فقط بل إلى فساد الدنيا والآخرة .
لقد تدعى فريق من المسلمين احتكار الدين لصالح مشاريعه المتطرفة والدليل على ذلك ما يكيلونه من التهم على إخوانهم المسلمين من تهم الخيانة والتأمر وموالاة الكافرين وخروجهم عن جادة الحق, وما ترتب على ذلك من إهدار لحقوق المخالفين وتبريرهم قتلهم وتعذيبهم وحرمانهم من متطلبات العيش الكريم بل صادروا على غيرهم من المسلمين رحمة الله وهدايته والغفران من الله لهم وحكموا على بعضهم البعض بالعذاب الأليم وعدم دخولهم الجنة .
لقد تنافس أصحاب هذا الفكر المتطرف في تكفير بعضهم بعضا ونسوا ما أوصاهم الله تعالى بقوله تعالى : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ( 9 ) إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ( 10 ) ) [ ص: 374 ] يقول تعالى آمرا بالإصلاح بين المسلمين الباغين بعضهم على بعض : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ) ، فسماهم مؤمنين مع الاقتتال . وحتى في حال تبرير التكفير فإنه لا يوجد مبرر لربط القتل بالكفر فلا شك ان هذا يتناقض تماما مع ما وصاهم الله به في القران الكريم .
فعلينا أن نستبدل الأنانية بالعبودية الصادقة لان ضَعف العبودية سببٌ أساسي في زيادة قوّة الأنانية وحبِّ الذات ,فكلما زادت الأنانية كلما ضعفت العبودية ,الأنانية أدواتها التعصب والكبر والطغيان بينما العبودية أدواتها التواضع والمحبة والسلام والتسامح لذلك وصف الله عباده بقوله " وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما .."