حملة الدكتوراه المزورة
أخبار البلد - د. مهند مبيضين
حتى الآن لا موقف واضحا من وزارة التعليم العالي بحق الحاصلين على شهادات الدكتوراه غير المثبتة صحتها، ولا إعلان نوايا على الأقل بأنها ستحاسب أو تكشف عن السير والوجوه التي ظلمت البلد وضحكت على الناس وعاشت على الخديعة سنوات طويلة وهي تقول للناس بأنها حاصلة على مؤهلات علمية عالية، فالناس لا يعرفون أن الشهادة على الأقل لم تستكمل صحتها ولم تولد بشكل شرعي، ومن حقهم معرفة الصحيح.
الوزارة لديها سجل مبني على معلومات وتحقق دقيق، ولديها وسائلها التكنولوجية اليوم بضبط الرسائل العليمة المسروقة، لكن هذا الملف الذي يعتبر من اخطر الملفات يبدو انه مطلوب له أن يبقى طي التكتم والإخفاء، والحق أن من بين أصحاب هذه الشهادات قامات واسماء ليس بالهين أن تكشف للرأي العام، وقد قامت الوزارة سابقاً واليوم بحملة وجهد كبير لمتابعة معادلة الشهادات غير المثبت صحتها، وكانت الاستجابة ضعيفة، وتوقف العمل بهذا الجهد فجأة بالرغم من إثارته تحت قبة البرلمان، إلا أن بعض النواب حصل على درجة دكتوراه من جامعات في فترة قياسية زمنيا مما يثير السؤال عن صحة الدرجة.
الوزارة كانت قد أعلنت قبل سنوات عن حصيلة رقمية للشهادات المزورة وكان الرقم يقفز كل مرة إلى الأعلى من 38 شهادة إلى 46 وصولاً إلى 70 وهذا قبل أعوام، ويقال إن الرقم وصل اليوم لنحو ألفي شهادة وأكثر الدول التي تصدرت القائمة هي السودان واوكرانيا وروسيا، بحسب تصريحات صحفية منسوبة لأمناء عامين سابقين للوزارة عام 2009.
إذا ما أضفنا لهذه المشكلة وجود مؤسسات تطوعت «لدكترة» المجتمع، وتحويل الجميع لفيالق من حملة الدكتوراه، وباتت تمنح الكثيرين شهادات الدكتوراه الفخرية، وإذا تذكرنا أن البعض فجأة حظي بلقب دكتور وهو لم يدخل جامعة بعينها، فإن الأزمة اليوم هي أزمة اخلاقية بالدرجة الأولى وتعكس ثقافة عجيبة، إذ يظن الناس أن «الدكترة» تمنحهم حق تقدم الناس، مع العلم أنه مهما كان المرء فإن الذي يقدمه خلقه وانجازه، وعلى سبيل المثال كان تأثير الراحل عبد الحميد شومان وانجازه أكثر من دكاترة الاقتصاد والسياسة، ويعتبر تأثير موسى حجازين الفنان المحترم أكثر من بعض دكاترة المسرح الذين زاروا وتخرجوا من أعرق الجامعات، والمسألة لا تتصل هنا بالدرجة بل بالقدرة على الحضور والتأثير في حياة الناس.
عبد الحميد شومان أو الراحل وصفي التل لم يطلبا شهادة دكتوراه بل حضرا في وجدان الناس لطبيعة العمل والمهمة التي حملوها، ولم يستندبا نفسيهما إلى موقع او منصب غير مستحق، هذا الكلام يجب ان يدفع وزارة التعليم للإفصاح عن المزورين والمدعين للدرجات العلمية كي لا نفوت الكثير، وكي لا نخسر السمعة التي بناها الوطن في مجال التعليم والصحة.