الوصاية على العقل 2 دائرة المطبوعات أنموذج

أخبار البلد - يحيى شقير

منذ أن عاقبت الكنيسة جوتنبرغ بسبب إختراعه المطبعة «كأداة من صنع الشيطان» كما جاء في قرار حرمانه الكنسي ما زالت عدة دول ومنها الأردن تراقب الكتب سواء قبل أو بعد طباعتها؛ توسع «فرجار» الرقابة أحيانا وتضيِّقه حينا.

لا أتحدث عن هيئة الإعلام، التي تشكلّت مؤخرا بعد دمج دائرة المطبوعات والنشر بهيئة الإعلام المرئي والمسموع، فمن المبكر تحمليها مسؤولية ممارسات سابقة.

ففي زمن الانترنت لم يعد هناك معلومة قابلة للحجب أو الكتمان، وقرار منع توزيع(..) لن يقف حائلا امام انتشاره وترويجه، وهكذا يفشل في النهاية الرقيب في تحقيق غاياته.

ولربما ان قرار الحجب يزيد من حب استطلاع القرّاء لإقتنائه، وبسبب ذلك قد يتعمد بعضهم لإضافة عبارة استفزازية ليحض الرقيب على المنع بما يساهم فيما بعد بترويج الكتاب، كطريقة حديثة للدعاية والاعلان.

وهناك عدة كتب ممنوعة في الأردن قرأتها بطريقة ما وتعجبت كم هي ضيِّقة ثقوب غربال مخ الرقيب!.

ولنبدأ بكتاب المؤرخ المعروف د. علي محافظة «الديمقراطية المقيدة» الذي يتناول حالة الأردن من 1998 وحتى 1999 والمنشور عام 2002 في بيروت. والمؤلف يحمل رتبة الأستاذية، وكان رئيسا لجامعة مؤتة وأشرف على مئات رسائل الماجستير والدكتوراة ونأتمنه على تدريس أبنائنا تاريخ الأردن، ولكن بالمقابل نمنع الطلاب والقرّاء من قراءة كتاب متخصص حول تاريخ الأردن الحديث.

وهناك كتب أخرى ممنوعة للاقتصادي والسياسي وهيب الشاعر صاحب كتاب «الأردن إلى أين؟ و»لماذا الأردن؟ المنوعين وقد قرأتهما وقد تتفق أو تختلف كثيرا عن رؤاه لكن الكتابين يعبران عن آراء الكاتب بأحداث مرّت بها البلاد. أما استخدام الكاتب لعبارة «النظام الأردني» التي سبق أن اعتبرها الرقيب غير ملائمة فأرى أنها تصيُّد وانتقائية من الرقيب فالمقال «يُؤخذ ككل ومن غير الجائز انتقاء كلمات معينة والبحث في نية الكاتب عن معناها» وهذا ما استقر عليه القضاء الأردني في قضايا النشر وخاصة قرارات قاضي غرفة المطبوعات الحالي الدكتور نصّار الحلالمة وقاضي المطبوعات الأسبق نذير شحادة وغيرهم.

ومن الكتب الممنوعة مذكرات المناضل ضافي الجمعاني «من الحزب إلى السجن 1948 – 1994»، التي صدرت عن رياض الريّس للكتب والنشر، ويروي فيها مسيرته في حزب البعث وكيف جرى اعتقاله في سجن المزة السوري لمدة 23 عاما من دون سؤال.

كما هو ممنوع أيضا كتاب «العودة إلى الهدأة» للمهندس وهدان عويس. والهدأة شجرة تكثر في دبّين مسقط رأس الكاتب.

ومن الكتب الممنوعة أيضا الجزء الثاني من مذكرات المناضل المرحوم بهجت أبو غربية، والكتاب الموسوعي «التحدي والإستجابة» للدكتور عوني فرسخ الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت عام 2008، وهذا الكتاب المكون من الفي صفحة بالضرورة سيكون غالي الثمن ولا يجب أن تؤثر عدة أسطر فيه على منعه كليا.

فعندما تمنع دار نشر واحدة من توزيع 8 كتب في عام واحد فكيف لها أن تربح؟ وكيف ستنافس صناعة النشر في الأردن نظيرتها في لبنان!

ومن الكتب التي جرى منعها لدار نشر واحدة؛ «الوعود البلفورية» للكاتب علي حطيط، و»حديث الجنود» لأيمن العتوم، وكتاب «مراجعات في الفكر الإسلامي» لمنيل أبو قرون وكتاب "إرادة الكتابة” للدكتورة بلقيس الكركي.

وفي إحصائية أعدّها الناشط عضو رابطة الكتّاب عبدالله حمّودة فإنه يتم منع كتابين كل أسبوع في الأردن. وهناك كتب ممنوعة في فترات قديمة، فقد جرى منع 1278 كتابا في الفترة 1955-1987، لكن في السنوات الأخيرة قلت نسب المنع ومع ذلك ما زالت هناك كتب تُحجب ويُمنع توزيعها.

وإذا كان من المتصور تفهم المنع في فترات تاريخية سابقة كان فيها عود الدولة طريَّا لكن الآن فمع قوة شوكة الدولة ومع إنتشار التعليم في الأردن فإنه يجب الثقة بقدرة القارئ على التفريق بين الغث والسمين ولم يعد ثالوث المحرمات «السياسية والجنس والأديان» مبررا للحجر على عقول سبع ملايين أردني بقرار من موظف أو لجنة من أربع موظفين بدائرة المطبوعات والنشر.