عمّن تحكي كل من القصص التالية؟

فتاة عمرها ست عشرة سنة تيتمت. وحسب وصية والدتها، وُضعت في أحضان جدتها لأمها التي كانت منفصلة عن زوجها السكير. وكانت الأم متضايقة من طفلتها لأنها كانت تكذب وتسرق الحلوى، وقد ابتلعت مرة قطعة معدنية عندما كان عمرها خمس سنوات، لجذب انتباه أمها لها. أما الأب، فكان يحب الطفلة. ولذا قضت شطراً من طفولتها– قبل وفاته– عنده وكأنها سيدة البيت. أما جدتها– لأمّها الأرملة- فلم تستطع إدارة بيت يعيش معها فيه أربعة من الأخوال والخالات. كان الخال الصغير يشرب ويسكر. وقد ترك البيت من دون إخبار والدته بوجهته. وحينئذ قررت الجدة أن تكون صارمة مع حفيدتها، لأنها كانت تتصور أنها فشلت في تربية أبنائها وبناتها؛ فألبست الحفيدة بصورة شاذة، ومنعتها من اللعب مع رفيقاتها، وربطت دعامة بظهرها لتبقيها منتصبة القامة، ولم ترسلها إلى المدرسة النظامية.
***
حصل على إفادة من الطبيب بأن الانهيار العصبي الذي يعاني منه يجعل من الضروري تركه المدرسة لمدة ستة أشهر. الولد ليس طالباً جيدا في جميع الأمور، وليس له أصدقاء. كما يرى معلموه أنه مُشكل، وأنه بطيء النطق، وأن والديه خجلان من نقص القدرة عنده، ومن تكيفه السيئ في المدرسة. أخلاق الولد كانت شاذة؛ فهو لا يؤمن بدين، ويغني لنفسه، ووالداه يعتبرانه ليس مثل بقية أولاد الناس.
***
طفل عمره ست سنوات، وُلد برأس كبير، حتى لقد قيل إنه مريض بالدماغ. ثلاثة من إخوانه وأخواته ماتوا قبل مجيئه. الأم لم تتفق مع الأقارب والجيران أن من المحتمل أن الطفل شاذ أو غير عادي، وعندما أرسلته إلى المدرسة كان تشخيص المعلم أنه مريض عقلياً. الأم تستشيط غضباً، فتسحب طفلها من المدرسة قائلة إنها ستعلّمه بنفسها.
***
هذه أوصاف حقيقية لثلاثة متفوقين عالميين، هم على التوالي: إليانور روزفلت وآلبرت آينشتاين وتوماس أديسون، كما وردت في كتاب "مهد السمو" (Cradles of Eminence)، لمؤلفيه فيكتور جيورتزل وميلدرد جيورتزل.
وهذا الكتاب الصادر في العام 1962، هو عبارة عن دراسة لحياة أربعمائة شخص متفوق أو شهير في القرن العشرين، تبين للقائمين بها أن 60 % منهم عانوا من مشكلات مدرسية حقيقية، وأن كثيرا منهم كانوا بطيئي التعلّم، أو فاشلين في نظر معلميهم ومعلماتهم؛ يكرهون معلميهم ويكرههم معلموهم. وقد قاما بالدراسة رداً على دراسات لويس تيرمان ورفاقه عن الموهوبين، والمفبركة لصالح توجهاتهم التي يصفها ستيفان جي. غولد بدراسة الذكاء الأحفوري، لأنها كانت لعظماء سابقين ركّب الدارسون عليهم وألبسوهم تحيزاتهم وأوهامهم، لإثبات نظرياتهم في فطرية الذكاء وثبات نسبته مدى الحياة. وقد تبين فيما بعد أن أولئك المتفوقين وأمثالهم لم يكونوا بطيئي التفكير، بل طويلي التفكير، وأن الوقت المحدد لا يتسع له.
أعجب من وزارات التعليم في العالم العربي من اعتقادها أنها بكثرة الامتحانات تحسن التعليم والتعلم، فيما هي ليست بقادرة على ذلك سوى على تطفيش الراسبين فيها، وقطع الطريق عليهم لمواصلة التعلم.
يجب إدانة المعلمين والمعلمات والمدرسة ومديرية التعليم والوزارة على رسوب أو فشل أي تلميذ سوي (غير معوق عقلياً)، وليس الطفل القادر على تعلم أي شيء إذا تعلمه بصورة صحيحة كما يقول المربون. وهناك عشرات الأنواع من الامتحانات (التقييم) التي يمكن أن تستخدم لتقييم مختلف جوانب عملية التعلم والتعليم، ولكن المدرسة لا تستخدم سوى نوع واحد منها، أكل الدهر عليه وشرب، وهدفه إدانة الطفل والتخلص منه، وتبرئة المدرسة والمديرية والوزارة من المسؤولية عن النتيجة.
عندما تجرى الامتحانات لتحسين التعليم والتعليم فعلاً، وتحميل المسؤولية للمسؤول لا للضحية، فأهلا وسهلاً بها.