الدكتور صبري ربيحات يكتب : ارتجال التخطيط..والسقوط سهوا.
أخبار البلد -
..ما من شك ان الحكومة بذلت جهدا كبيرا وربما اكبر مما يجب في الاستعداد للتعامل مع الاوضاع الناجمة عن العاصفة الثلجية .. وقد تمكنت الى درجة كبيرة من ان تعرض امكاناتها في فتح الطرق واخلاء المرضى والتصريح للاعلام وتداول البيانات حول حبات الثلج التي نزلت على كل بقاع البلاد..فعطلت العمل..ونثرت الملح..واستحوذت على الاعلام...واستدعت بكل وسائل الترغيب والترهيب المقاولين ولودراتهم..وفرضت حضر التجول ..وبررت تركييب صفارات الانذار لبلد يخلو من الملاجئ...فنقلت المرضى والحوامل الى المستشفيات وحافظت على الشوارع سالكة بصعوبة..واشبع المشاهد بالاعلام ورسائل التوعية التي يشكر من خلالها المراسلون رؤساؤهم مرتين الاولى في متن الرسالة والثانية قبل أن ينتهي الوقت الذي يقال فيه القول مرارا.
التعطيل المبكر للمؤسسات وحتى قبل ان تنزل حبات المطر.. ظاهرة احترازية جديدة تؤكد حب الحكومة لاغلى ما تملك "دافع الضرائب "وتوجيه كامل لموارد الدولة نحو فتح الطرق واسعاف المرضى وادامة ايصال الكهرباء..اشعرنا باننا في بلد العناية المركزة...
اعلام العاصفة قصة اخرى فقد نجح في تشكيل ثقافة جديدة خاصة بالمنخفضات...حيث اصبح الجميع على دراية بتفاصيل هذه الثقافة ومستلزمات عضويتها و كيفية التصرف سواء كنت صحفيا او مسؤولا او عامل وطن....اللباس الشماغ الاحمر رسالة بان مرتديه مستعد وانه يحب الوطن وانه مندمج في حالة الطواري....الاخرون من العمال والموظفين وحاشية الوزير يجدون فرصة لمرافقتهم والتعبير عن استعدادهم لايصال الليل بالنهار مما يمكنهم من ترك انطباعات حسنة لدى الرؤساء تؤهلهم لمواقع جديدة و يجعلهم خيارات اساسية في التنقلات التي ستعقب الازمة.
الميكروفونات والوقت الذي لا ينتهي للحديث عن جرافة يجعلك تشعر بحالة من الزرم الاعلامي ..... الكل يعيد نفس القصة ويتقدم بالشكر لكل محافظ ومدير ورئيس بلدية ووزير عند كل جرافة او كومة ثلج..على بوابة البلديات وعلى كل الجبال التي زاد ارتفاعها عن الف متر يوجد كاميرا ومراسل ورئيس بلدية ووزير واحيانا اثنين.
كل ذلك خير وبركة..الا ان تبقى محافظة كاملة بلا شوارع مفتوحة...ولا كهرباء...ولا خبز...طوال مرور العاصفة وبعد...وحديث لوزير الطاقة لا ينسجم مع روح الاعداد والتهيئة التي تحدثت عنه الحكومة.. فما ان سؤل عن متى سيصل التيار لاكثر المحافظات تاثرا بالعاصفة حتى اجاب بانه يهدي تحياته لاهلها متناسيا ان اهلها بلا كهرباء مما سيحرمهم من تلقي تحيات الوزير..واستطرد بالدعوة لان يكلف من سيشرح لهم الاسباب وكأن الطفايلة يحضرون مؤتمرا او يقدمون امتحانا لمادة في الكهرباء والميكانيك وان اوليتهم معرفة الاسباب وليس الوسول الى النتائج
انهيار السور الاستنادي على العائلة و حضيرة الاغنام ...وبقاء الجميع لما يزيد عن عشر ساعات دون معرفة مصيرهم حدث يثير الكثير من التساؤلات عن قواعد السلامة العامة في مدننا وتطبيقها في الاطراف.. وامكانات الدفاع المدني المادية والبشرية في المحافظات.. ومدى الاهمية التي توليها الحكومة لحاجات الاطراف من الخدمات....
المجتمعات المحلية كانت تدير ازماتها بنفسها لسنوات...لكن الاسراف في الاعلانات الحكومية على ان هناك جاهزية عالية وما عليكم الا ان تخبرونا عن احتياجاتكم وسنلبيها بسرعة البرق...فهذا ما يقع تحت باب "عندك جيتك".. وكله على الورق.. تعازينا للاسرة التي فقدت سيدة واحد الابناء... ولا حول ولا قوة الا بالله......
الاعتمادية الزائدة على المخابز وعلى مولدات الكهرباء والدفاع المدني والاسعاف نمى روح الاعتمادية في كل شئ وانسانا ان الاباء والاجداد عاشوا في ظروف اصعب واداروا شؤونهم باقل قدر من المعونة الى من الجيران والاقارب واهالي البلاد...لا مفر من اعادة روح التعاون والفرق الاهلية...فليس كل ما يخطط له ينفذ ..وما حك جلدك مثل ظفرك فتولى انت جميع امرك.