"الإخوان" في مواجهة الإصلاح
العلاقة بين جماعة "الإخوان المسلمون" ومؤسسات الدولة متوترة. لا جديد في هذا. فلم يحدث أن خلت هذه العلاقة من مستويات متفاوتة من التوتر، تجليا طبيعيا لخلافات جذرية في الرؤية والأهداف ولموقع الجماعة في المعارضة.
الجديد هو الانقسامات الداخلية الصعبة التي تعصف بالجماعة. تفجرت هذه الانقسامات نتيجة خلافات بين قيادة الجماعة الحالية وشخصيات قيادية وازنة فيها إزاء عديد ملفات، بعضها مرتبط بمواقف من قضايا عامة، وبعض آخر متعلق بتركيبة الحركة الداخلية ومنهجيات عملها.
رغم ذلك، ثمة من ينحو إلى تحميل مؤسسات الدولة مسؤولية الصراعات "الإخوانية" الداخلية. وهذا أمر غير مفهوم.
فالقول، تصريحا أو تلميحا، إن الشخصيات القيادية "الإخوانية" المختلفة مع القيادة الحالية تتحرك وفق توجيهات رسمية أو بتماهٍ معها يمثل، في حده الأدنى، انتقاصا من استقلالية هذه الشخصيات ذات التاريخ الطويل في الجماعة، وهروبا من مواجهة أسباب الانقسام.
أما في حده الأعلى، فيمثل ذلك تقديسا للجماعة وتنزيها لها عن الخطأ، واستمرارا في النزعة المألوفة للوم الآخرين على كل مشاكل "الإخوان"، خصوصا التوتر في علاقاتهم مع مؤسسات الدولة.
وفي هذه النزعة إغلاق لأبواب أي عملية مجدية لنقد ذاتي أو مراجعة للمواقف. وفيه كذلك انغلاق يكرس تمترسا يصد كل مسارات التحديث والالتقاء مع الآخر في مساحات توافق محتملة.
تطلب الحركة الإسلامية الإصلاح من الحكومة. لكنها ترفض الإقرار بضرورته عندها. تطالب الحكومة تنفيذ القانون. لكنها لا ترى اضطرارا لوقف خرقها هي له حين تمارس العمل السياسي وهي مسجلة جمعية لا يحق لها ذلك. وينتقد "الإخوان" مواقف مؤسسات الدولة منهم، بينما يستمرون في خطاب يقترب، في أحيان كثيرة، من التحريض ضدها.
لا جدل في ضرورة خفض مستويات التوتر بين مؤسسات الدولة وجماعة "الإخوان المسلمون". بيد أن تحقيق ذلك لا يقع على عاتق الحكومة وحدها. مطلوب من الجماعة أن تتخذ الإجراءات الموضوعية التي تتيحه، وأن تنهي الرفضوية الإطلاقية والارتباطات عبر الحدودية التي تديمه.
وهذا يعني قائمة من الخطوات التي تأخرت كثيرا.
أولها التقدم نحو الإصلاح المؤسساتي الذي لا تنفكّ تطلبه من غيرها. فما هي الخطيئة في تكييف وضع "الإخوان" بما ينهي خرقهم للقانون؟ وهل يحق لـ"الجمعية" أن تبقى فوق القانون ولا تقبل حتى مناقشة طرح بعض قياداتها تصويب وضعها القانوني؟
وبغض النظر عن التكييف القانوني لارتباط الجماعة بالتنظيم العالمي لـ"الإخوان"، ثمة أسئلة مشروعة عن أثر هذا الارتباط بأجنداتها الداخلية. سيبقى التوجس من هذا الارتباط سببا في إدامة التوتر. وهناك منطق صلب في الطلب من الجماعة الإعلان بوضوح أنها حركة أردنية تعمل وفق ثوابت البلد وفي حدود قوانينه ومصالحه، التي قد تتناقض مع توجهات التنظيم الدولي والجماعات العضوة فيه خارج الأردن.
ثمة ضرورة لمقاربة جديدة من "الإخوان" لدورهم ولمنطلقاته في المملكة. وهذا التجديد تطور تستوجبه أيضا مواقف مؤسسات الدولة نحو الجماعة، والحاجة لإعادة تأسيس العلاقة على أرضية قانونية وسياسية تنسجم مع متطلبات العملية الإصلاحية العامة.
فالفرضيات الخاطئة التي رافقت سنوات "الربيع العربي" وأوهمت بعض قيادات الجماعة أنها اقتربت من تولي الحكم انتهت. ورغم محاولات استقواء بعض هذه القيادات على الدولة وترويجها خطابا عدائيا تحريضيا نحوها، لم تستقوِ الحكومة على الجماعة، وصاغت مواقفها على أرضية اعترافها بها جزءا من المشهد السياسي وبحقها العمل في حدود القانون.
الرد بإيجابية على مواقف مؤسسات الدولة هذه كفيل بإنهاء التوتر معها. ويكون أول ذلك الرد وقف الجماعة خطابها المدين لكل سياسات الدولة الرافض لكل توجهاتها. أما الإصلاح الداخلي الذي تطلبه قيادات "إخوانية" فيمثل انسجاما مع ما تدعي هي تبنيه من حاجة لتصويب الأخطاء وتحديث آليات العمل.
فكما على الدولة الاستمرار في مسيرة الإصلاح ضرورةً وطنية، يحتاج "الإخوان" البدء في مسيرتهم الإصلاحية الداخلية، مدخلا لتموضع جديد تحت القانون وليس فوقه، وفي سياق وطني أردني غير مرتبط بعقائدية سياسية عابرة للحدود.