من يدفع الثمن

من يدفع الثمن 
الكاتب الصحفي زياد البطاينه 
اترانا امام ظاهرة جديدة بدأت بالظهور لتحتل مساحة واسعه على ساحة الإعلام بانواعه واشكاله مقرؤ مسموع مرئي وهي مادعاني وغيري من المهتمين ان نوجه دعوه للقارئ والمعلق والمبتدئين والذين يستهوون التعليق باسماء مستعارة وغير مستعارة تعليقات تغزوها العواطف المضطربة، والأفكار المشوشة، واللاحرفية في التعاطي فيهرفون بما يعرفون ولايعرفون 
هذه الظاهرة التي استرعت اهتمامي واهتمام الكتاب والمفكرين وبدأت بتتبعها، وملاحظ مسارها وضعتني من جديد في دائرة التفاؤل بعد أن كاد اليأس يستولي عليّ وأنا ألاحظ أن كل مهم مهمش، وكل سطحي تافه يستقطب إعجاب أعداد كبيرة من متابعي صفحات التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية.‏
أتراها اللامهنية، واللاحرفية في التعاطي مع الأمور هي التي دفعتني بفئة مستنيرة من الشباب لأن نطلق هذه المبادرة ونقول شو القصة ياشباب ، أم أنه الاكتفاء من السطحية واللاجدوى؟..
الجواب الحاسم والدقيق قد لا يكون لدي لكنني أعتقد أن كل زائف زائل وكل أصيل باقٍ.. وإلا لما كانت رسخت أمهات الكتب على مدى التاريخ، ولكان طوفان العادية قد جرفها منذ أزمان.‏
صحيح أن وسائل العصر قد أتاحت للرؤية أن تتسع.. لكن مساحة الكلمات لم تضق بل اتسعت هي الأخرى الى أبعد مدى في تعبير حر لكل أحد عن كل ما يريد.. إلا أن هذا كله لم يضف إلا الشيء القليل سواء الى الفكر، أم الأدب، أم الفن، أم حتى العلم.‏
أفكار وعبارات وكلمات تطير في فضاء إلكتروني لتجوب أرجاء الأرض، وما إن تعود الى نقطة البدء حتى تزول.. كفقاعات في الهواء ما تلبث أن تمتلئ حتى تنفجر وتتبدد.
هكذا هي تلك الصفحات التي تتوالد منها صفحات على شبكة الاتصالات.. لا تترك إلا أثراً آنياً يزول بعد دقائق أو لحظات. إلا أن هذه المرحلة من التجربة كان لابد منها في رحلة البحث عن الذات،
وكم من الأفراد والجماعات ما كانوا ليجدوا فضاء للتعبير لولا هذه المساحات الإفتراضية التي انفتحت أمامهم كمغارة سحرية فدخلوا اليها، وبعضهم أضاء شمعة بيده لتنير دربه، بينما تعثر الآخر بخطوات لم تكن في حسبانه.. ومن هؤلاء من يصف نفسه بأنه تحول الى صفحة في فضاء زائف مفترض يعرف فيه بإسم وهمي، وصورة غير حقيقية، ومشاعر مزيفة، تضاف اليها أفكار مضطربة تتأرجح بين الرأي ونقيضه، والجميع يهيم في ذلك الفضاء كتائه في صحراء.‏
والسطحية هذه والتي يدعو بعضهم الى نبذها لم تعد حصراً في المواقع الإلكترونية بل إنها غزت أيضاً الإذاعات، وما يبث على التلفاز من مسلسلات، وبرامج متنوعة على اختلاف توجهاتها، وكأن الأمر في استخدام وسائل الإعلام بات ينحصر في هدف واحد هو التسلية، وتفريغ العقول بدل توجيهها، والإضافة لها.‏
أما الجرأة في التعاطي مع كل هذا فحدّث عنها ولا حرج.. فهي قد تصل الى حد الوقاحة والابتذال، وتلفزيونات الواقع تشجع على مزيد من الانفتاح، والتجاوز على ما اعتدنا على مراعاته فيما يعرض على الشاشة للجمهور العريض.‏
لعل نداءات للعودة الى ما يحترم حدود الأشياء قد تلقى صداها عند الناس بعد أن أصبحت الأمور تخرج عن مسارها الصحيح الذي يجب أن يؤطرها.. فالتعبير الحر لا يعني تحطيم حواجز اللياقة، والالتزام بأي حال من الأحوال.‏
سنتابع، ونراقب، ونتمنى أن تحل الجدية مكان السطحية، وأن تستبدل الثقافة بما بات يطفو على السطح مما يسمى بالسخافة.. وصولاً الى واقع أرقى، وأنبل في بث القيم وتأصيلها عند عامة الناس.. خاصة وأننا نعيش في واقع مضطرب يقع فيه الخلاف أكثر مما هو الوفاق.. (فأما الزبد فيذهب جفاء.. وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)